فأمرنا بالانصراف فعند الصباح قرع الباب فإذا رسول الشيخ يستحضرني فحضرته وهو على المصلى وبين يديه الاجزاء الخمسة فقال خذها إلى الشيخ أبي القاسم وقل له استعجلت في الأجوبة عنها لئلا يتعوق الركابي فلما حملتها إليه تعجب كل العجب وأعلمهم وصرف الفيج (1) بهذه الحالة وصار هذا الحديث تاريخا بين الناس اه.
سبب تصنيفه لسان العرب في لسان الميزان وعن تلخيص الآثار كلاهما عن تلميذه أبي عبيد عبد الواحد الجوزجاني انه كان سبب تصنيفه لسان العرب انه كان في حضرة الأمير علاء الدولة وقد امتلأ المجلس من أكابر العلماء فتكلم الشيخ فناظرهم وقطعهم إلى أن جاءت مسالة في اللغة فتكلم فيها فقال له الشيخ أبو منصور اللغوي الأديب الأصفهاني أنت حكيم وهذه مسالة من اللغة تحتاج إلى السماع وأنت ما تتبعته ولا قرأت في اللغة، وحكى صاحب عيون الأنباء عن تلميذه المذكور قال: كان الشيخ جالسا دوما بين يدي علاء الدولة وأبو منصور الجبائي حاضر فجرى ذكر مسالة في اللغة فتكلم فيها الشيخ فقال له أبو منصور انك فيلسوف وحكيم ولم تقرأ من اللغة ما يرضى كلامك فيها فاستنكف الشيخ من هذا الكلام وتوفر على درس كتب اللغة ثلاث سنين واستهدى من خراسان كتاب تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري فبلغ في اللغة درجة قلما يتفق مثلها ونظم ثلاث قصائد ضمنها ألفاظا غريبة من اللغة مما لا عهد لاحد به وكتب ثلاثة كتب أحدها على طريقة ابن العميد والثاني على طريقة الصابي والثالث على طريقة الصاحب وعتقها بان كتبها على قراطيس بالية وجلدها بجلد عتيق وأرسلها مع رسول من الأمير إلى الشيخ أبي منصور الجبائي فأعطاه إياها في المجلس وأبو علي حاضر وقال له انه وجدها ملقاة في الفلاة وقت الصيد فنظر فيها فوقف على تلك الألفاظ الغريبة ولم يعرف معناها فكان كلما وقف على كلمة واشتبه فيها يقول له أبو علي هذه مذكورة في الباب الفلاني من الكتاب الفلاني ففطن أبو منصور لذلك وعرف انها منه وان الذي حمله عليه ما جبهه به في ذلك اليوم واعتذر إليه ثم صنف الشيخ كتابا في اللغة سماه لسان العرب لم يصنف في اللغة مثله ولم ينقله إلى البياض حتى توفي فبقى عن مسودته لا يهتدي أحد إلى ترتيبه اه.
عمله الرصد لعلاء الدولة بن كاكويه قال تلميذه الجوزجاني جرى ليلة بين يدي علاء الدولة الخلل الحاصل في التقاويم المعمولة بحسب الأرصاد القديمة فامر الأمير الشيخ بالاشتغال برصد هذه الكواكب وأطلق له من الأموال ما يحتاج إليه وابتدأ الشيخ به وولاني اتخاذ آلاتها واستخدام صناعها حتى ظهر كثير من المسائل فكان يقع الخلل في امر الرصد لكثرة الاسفار وعوائقها ثم قال ووضع في حال الرصد آلات ما سبق إليها وصنف فيها رسالة وبقيت انا ثمان سنين مشغولا بالرصد وكان غرضي تبيين ما يحكيه بطليموس عن قصته في الأرصاد فتبين لي بعضها.
بعض معالجاته قال تلميذه المذكور كما في عيون الأنباء وكان قد حصل للشيخ تجارب كثيرة فيما باشره من العلاجات عزم على تدوينها في كتاب القانون وكان قد علقها على اجزاء فضاعت قبل تمام كتاب القانون من ذلك أنه صدع يوما فتصور ان مادة تريد النزول إلى حجاب رأسه وانه لا يامن ورما يحصل فيه فامر باحضار ثلج كثير ودقة ولفه في خرقة وتغطية رأسه بها ففعل ذلك حتى قوي الموضع وامتنع عن قبول تلك المادة وعوفي.
قال ومن ذك ان امرأة مسلولة بخوارزم أمرها ان لا تتناول شيئا من الأدوية سوى الخلنجين السكري حتى تناولت على الأيام مقدار مائة من وشفيت.
أخباره بعد فراغه من التحصيل قال تلميذه الجوزجاني حكاية عنه بعد قوله السابق فلم يعد أحدا نسخ منها: ثم مات والدي قال ابن خلكان كان عمره لما مات والده 22 سنة وتصرفت بي الأحوال وتقلدت شيئا من اعمال السلطان ودعتني الضرورة إلى الاخلال ببخارى والانتقال إلى كركانج وكان أبو الحسين السهيلي المحب لهذه العلوم بها وزيرا وقدمت إلى الأمير بها وهو علي بن مأمون وكنت على زي الفقهاء إذ ذاك بطيلسان وتحت الحنك واثبتوا لي مشاهرة داره بكفاية مثلي ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى نسا ومنها إلى باورد ومنها إلى طوس ومنها إلى شقان ومنها إلى سمنيقان ومنها إلى جاجرم رأس حد خراسان ومنها إلى جرجان وكان قصدي الأمير قابوس فاتفق في أثناء هذا اخذ قابوس وحبسه في بعض القلاع وموته هناك ثم مضيت إلى دهستان ومرضت بها مرضا صعبا وعدت إلى جرجان فاتصل أبو عبيد الجوزجاني بي وأنشأت في حالي قصيدة فيها بيت القائل:
لما عظمت فليس مصر واسعي * لما غلا ثمني عدمت المشتري قال أبو عبيد الجوزجاني صاحب الشيخ الرئيس فهذا ما حكى لي الشيخ من لفظه ومما شاهدت انا من أحواله انه كان بجرجان رجل يقال له أبو محمد الشيرازي يحب هذه العلوم وقد اشترى للشيخ دارا بجواره وانزله بها وانا اختلف إليه في كل يوم اقرأ المجسطي واستملي المنطق فاملي علي المختصر الأوسط في المنطق وصنف لأبي محمد الشيرازي كتاب المبدأ والمعاد وكتاب الأرصاد وصنف هناك كتبا كثيرة كأول القانون ومختصر المجسطي وكثيرا من الرسائل ثم صنف في ارض الجبل بقية كتبه اه.
اما ما أجمله بقوله: ودعتني الضرورة الخ فقد فصل فيما حكاه صاحب الروضات عن بعض المؤرخين وعن تلخيص الآثار وفيما ذكره صاحب عيون الأنباء وبين كلامهم بعض التفاوت فنحن ننقله مقتبسا من المجموع وهو ان الدولة السامانية التي كان ابن سينا في ظلها لما وقع فيها تزلزل عظيم أدى إلى انقراضها وانتقل الحكم لبني سبكتكين وتولى السلطان محمود بن سبكتكين توجه أبو علي إلى خوارزم واتصل بصاحبها خوارزمشاه علي بن مأمون وكان في ملازمة علي هذا كثير من العلماء والحكماء مثل أبي سهل المسبحي وأبي ريحان البيروتي وأبي الخير الخمار وغيرهم فقرر لأبي علي المعيشة. فتكلم بعض حساد أبي علي عند السلطان محمود في مذهب أبي علي فأرسل السلطان في طلبه إلى والي خوارزم فهرب إلى نواحي خراسان وطبرستان وعزم على خدمة الأمير شمس المعالي قابوس بن وشمكير فصار من المعظمين عنده مدة حكمه ثم حبس قابوس ومات ثم مضى إلى دهستان ثم إلى جرجان كما مر ثم انتقل إلى الري ثم توجه إلى ارض الجبال همذان ونواحيها لخدمة آل بويه الديلميين فورد همذان وفي أول وروده إليها صنف