شاعر المجد خدنه شاعر اللفظ * كلانا رب المعاني الدقاق لم تزل تسمع المديح ولكن * صهيل الجيال غير النهاق وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: كبس عسكر الأخشيد مع يانس المؤنسي أبا العشائر وهو منصرف من الميدان غرة بأنطاكية فاصابته نشابة في وجهه خرج نصلها بعد أيام فشد في أوساطهم فلم يزل يضرب و يحتمي (1) حتى تخلص من الجيش اه. وهذه غاية الشجاعة والاقدام أن يلقى جيش الأخشيد وحده وقد كبسه على حين غرة فلم ينهزم ولكنه جعل يضرب فيهم ويبدي النخوة والحمية حتى تخلص منهم وسلم ولم يقدروا عليه بعد ما أصابته نشابة في وجهه بقي نصلها فيه أياما وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته الطويلة:
ومنا الحسين القرم مشبه جده * حمى نفسه والجيش للجيش حاجر غامر أراد بجده الحسين بن حمدان والميدان الساحة التي كانوا يتمرنون فيها على السباق واجراء الخيول واللعب بالكرة وأمثال ذلك وذكر جامع ديوان المتنبي هذه القصة فقال كما في نسخة مخطوطة قديمة من هذا الديوان دون النسخ المطبوعة ما صورته: كان جيش للسلطان اي الأخشيد الذي كان في دمشق قد كبس أنطاكية وقصد دار أبي العشائر فلم يجده بها لبكوره إلى الميدان فعاد من الميدان وتفرق الناس عنه ولقي أول الخيل في السوق فهزمها إلى باب فارس فأصابه سهم في خده فاضربه وضرب رجلا منهم على رأسه فقتله وكثر الناس عليه ورجع حتى خرج من باب مسلمة ومضى إلى حلب ثم إلى الرقة وعاد بعد ذلك إلى أنطاكية واتصل خبر عودته بأبي الطيب وهو بالرملة فسار متوجها إلى طرابلس فعاقه ابن كيغلغ عن طريقه شهوة ان يمتدحه فلم يفعل وهجاه بالقصيدة الميمية وسار إلى دمشق وتوجه منها إلى أنطاكية هذا ما في النسخة المخطوطة واقتصر في المطبوعة على قوله وقال يمدح أبا العشائر ويذكر ايقاعه بأصحاب باقيس (يانس) ومسيره من دمشق والقصيدة التي مدح بها المتنبي أبا العشائر أولها:
مبيتي من دمشق على فراش حشاه لي بحر حشاه حاشي يقول فيها:
فقد أضحى أبا الغمرات يكنى * كان أبا العشائر غير فاشي وقد نسي الحسين بما يسمى * ردى الأبطال أو غيث العطاش لقوه حاسرا في درع ضرب * دقيق النسج ملتهب الحواشي كان على الجماجم منه نارا * وأيدي القوم أجنحة الفراش فولوا بين ذي روح مفات * وذي رمق وذي عقل مطاش فيا بحر البحور ولا أوري * ويا ملك الملوك ولا أحاشي كأنك ناظر في كل قلب * فما يخفى عليك محل غاشي أأصبر عنك لم تبخل بشئ * ولم تقبل على كلام واشي فما خاشيك للتكذيب راج * ولا راجيك للتخييب خاشي أرى الناس الظلام وأنت نور * واني منهم لإليك عاشي اتى خبر الأمير فقيل كروا * فقلت نعم ولو لحقوا بشاش يقودهم إلى الهيجا لجوج * يسن قتاله والكر ناشي فسرت إليك في طلب المعالي * وسار سواي في طلب المعاش وابن كيغلغ كان بالرملة فمر به المتنبي مجتازا إلى أبي العشائر ليمدحه فطلب منه ابن كيغلغ ان يمدحه فاعتذر بيمين عليه ان لا يقول شعرا إلى مدة فحبسه ابن كيغلغ عنده لتنقضي المدة فهرب في أثنائها وهجا ابن كيغلغ بذلك الهجاء المقذع القبيح وجاء إلى أبي العشائر فمدحه وأشار إلى ذلك في هجاء ابن كيغلغ فقال:
فلشد ما جاوزت قدرك صاعدا * ولشد ما قربت عليك الأنجم وأرغت (2) ما لأبي العشائر خالصا * ان الثناء لمن يزار فينعم ولمن يهين المال وهو مكرم * ولمن يجر الجيش وهو عرمرم ولمن إذا التقت الكماة بمأزق * فنصيبه منها الكمي المعلم ولربما أطر القناة بفارس * وثنى فقومها باخر منهم والوجه أزهر والفؤاد مشيع * والرمح أسمر والحسام مصمم أفعال من تلد الكرام كريمة * وفعال من تلد الأعاجم أعجم وهذا يدل على اشتهار شعر المتنبي وانتشار صيته إلى الغاية وعلى أنفته الشديدة حتى صار يرغب في مدحه جميع الأمراء ويبذل له الصاحب بن عباد نصف ما يملك ليمدحه فيأبى ويأنف من مدح الوزير المهلبي. وخرج أبو العشائر ذات يوم يتصيد بالأنشون ومعه أبو الطيب فأرسل بازيا على حجلة فأخذها فقال أبو الطيب ارتجالا من أبيات:
وطائرة تتبعها المنايا * على آثارها زجل الجناح فقلت لكل حي يوم سوء * وان حرص النفوس على الفلاح فقال له أبو العشائر أ في هذه السرعة قلت هذا فقال مجيبا ارتجالا أسرع من اللمح:
أتنكر ما نطقت به بديها * وليس بمنكر سبق الجواد أراكض معوصات القول قسرا * فاقتلها وغيري في الطراد ودخل المتنبي على أبي العشائر وعنده انسان ينشده شعرا في وصف بركة في داره فقال ارتجالا:
لئن كان أحسن في وصفها * لقد ترك الحسن في الوصف لك لأنك بحر وان البحار * لتأنف من حال هذي البرك كأنك سيفك لا ما ملكت * يبقى لديك ولا، ملك فأكثر من جريها ما وهبت * وأكثر من مائها ما سفك وقال المتنبي أيضا يمدحه من قصيدة:
مستحييا من أبي العشائر ان * اسحب في غير ارضه حلله لما رأت وجهه خيولهم * أقسم بالله لا رأت كفله وكلما امن البلاد سرى * وكلما خيف منزل نزله ما لي لا أمدح الحسين ولا * أبذل مثل الود الذي بذله وصاحب الجود ما يفارق * لو كان للجود منطق عذله القاطع الواصل الجميل فلا * بعض جميل عن بعضه شغله فواهب والرماح تشجره * وطاعن والهبات متصله قد هذبت فهمه الفقاهة لي * وهذبت شعري الفصاحة له فصرت كالسيف حامدا يده * لا يحمد السيف كل من حمله وكان عنده أبو الطيب في بعض الليالي فنهض لينصرف وقت انصرافه