منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٧
أقول: دلالة الحديث على ذلك منوطة بإرادة عدم البيان من السكوت، لان المعنى حينئذ هو: (أن لله تعالى أحكاما واقعية قد أنشأها، لكنه لم يبلغها ولم يبينها نسيانا). بخلاف ما إذا أريد من السكوت: عدم التشريع مع اقتضاء المصالح والمفاسد له، كما هو الظاهر بقرينة قوله عليه السلام: (ان الله حد حدودا، فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقصوها، وسكت عن أشياء) الحديث، فإن مقابلة السكوت لتحديد الحدود، وفرض الفرائض تقتضي السكوت عن التشريع و الانشاء، في قبال تشريع الحدود والفرائض.
فالمراد من الحديث - والله العالم - هو: أن جملة من الأشياء كانت مشتملة على ملاكات مقتضية لتشريع أحكام إلزامية، لكنه تعالى شأنه لم يشرع تلك الأحكام لا لأجل الغفلةوالنسيان، بل للرحمة و الامتنان، فمصلحة التسهيل صارت مانعة عن جعل تلك الأحكام الالزامية، و إنشائها.
ومن المعلوم: أن هذا المعنى أجنبي عما أرادوا إثباته بالحديث المزبور، من جعل الاحكام وإنشائها، وعدم بلوغها إلى مرتبة الفعلية.
وبالجملة: فظاهر هذه الرواية عدم الانشاء، لا عدم الفعلية.
نعم لا بأس بالاستدلال على عدم الفعلية بما دل على تفويض بيان جملة من الاحكام إلى الامام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه لأنه صلوات الله عليه يبلغ الاحكام التي أنشأها الله عز وجل ولم تقتض المصلحة تبليغها إلى العباد، فإن تلك الأحكام واقعية إنشائية، لا فعلية.
أما كونها منشأة، فلان الإمام عليه السلام مبلغ للأحكام، لا مشرع لها.
وأما عدم فعليتها، فلان المفروض عدم بلوغها إلى العباد، كما لا يخفى.