منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ١ - الصفحة ٣١
لايجاد الربط الابتدائي بين السير والبصرة في مثل قولك: (سر من البصرة إلى الكوفة) وكلمة (على) لايجاد النسبة الاستعلائية بين زيد والسطح، في مثل (زيد على السطح)، وهيئة (زيد قائم) لايجاد النسبة القيامية بين زيد وقائم، ومثلها سائر الحروف والهيئات. و بالجملة: فلا تقرر للمعنى الحرفي في الذهن حتى يتصور، بل تقرره وتحصله موطن الاستعمال، فالحروف آلات لايجاد معانيها لا كواشف عن مداليلها.
(الثاني): أن المعاني الحرفية لا استقلال لها في هوية ذاتها، بل هي قائمة بغيرها، بداهة أن النسب والارتباطات التي تحكيها الحروف و الهيئات لا تقوم بذاتها، لكونها قائمة بالطرفين، وإلى هذا ينظر قولهم (الحرف ما دل على معنى في غيره)، فإن معنى كلمة (من) هي الابتدائية التي تقوم بما يليها من البصرة ونحوها.
(الثالث): أن تلك المعاني الايجادية لا موطن لها إلا وعاء الاستعمال، ولا تقرر لها في شئ، من أوعية الواقع والاعتبار والذهن، فليس الموضوع له في الحروف مفاهيم النسب والارتباطات، بل مصاديقها الموجودة في موطن الاستعمال في مقابل القول بالاخطارية المنوطة باللحاظ والتصور وتعدد وعاء التحصل والتقرر، فإن لازم الايجادية هو وحدة عالم التقرر والتحصل، فوجود المعنى الحرفي حدوثا وبقاء يدور مدار الاستعمال.
(الرابع): أن المعاني الحرفية مغفول عنها وغير ملتفت إليها حال إيجادها، كالألفاظ التي يراد بها معانيها، فإن النظر إلى الألفاظ حينئذ آلي كالنظر إلى المرآة ان كان الغرض معرفة حال المرئي، فإن المعنى الحرفي بناء على كونه إيجاديا لا يمكن