منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ١ - الصفحة ٣٦
هذين الامرين فاعلم: أنه إذا قال المولى: (سر من البصرة إلى الكوفة) ففيه دلالات: (إحداها) دلالته على مفهومين اسميين وهما مفهوما:
السير والبصرة.
(ثانيتها) دلالته على الارتباط الخاص بينهما، وهو تقيد السير بكون مبدئه البصرة ومنتهاه الكوفة. (ثالثتها) دلالته على الطلب، ولما كان الطلب والارتباط بين السير والبصرة معلولين للأداة والهيئة اللتين هما في رتبة واحدة، فلا محالة يكون نفس الطلب والارتباط أيضا في رتبة واحدة ومتأخرين عن مفهومي السير والبصرة، وقد مر في الامر الأول: أن الطلب لا يتعلق إلا بما يتقدم عليه رتبة، فلا يتعلق بما هو في رتبته أو متأخر عنه، ولازم وحدة رتبتي الطلب والإضافة بين مفهومي السير والبصرة هو عدم تعلق الطلب بالإضافة، وكون المطلوب مطلق السير وإن لم يكن ابتداؤه من البصرة، وهذا مما لم يلتزم به أحد، إذ المسلم عندهم في مثل هذه القضية هو جعل القيد متعلق الطلب، وكون المطلوب السير المتخصص بخصوصية كذائية لا مطلق السير. ولا يرد هذا المحذور على القول بإخطارية المعاني الحرفية، لأنه يتصور المعنى الاسمي مقيدا بالخصوصية ويطلبه كذلك، فيكون القيد متصورا قبل تعلق الطلب به. نعم في مقام الدلالة يكون الدالان على القيد والطلب في رتبة واحدة، لكنه لا يقدح، لعدم استلزام عرضية الكاشفين لعرضية المنكشفين كما لا يخفى.
وثالثا: أنه يلزم تأخر الارتباط المترتب على الحروف أو الهيئات عما يقوم به من المفهومين الاسميين وعدم كونه في رتبتهما، توضيحه:
أن الارتباط المعلول للأداة يوجد في وعاء الاستعمال، وهو متأخر عن تصور المفهومين اللذين يقوم بهما الارتباط، فمع تصور مفهوم زيد بدون ارتباطه بالقيام