منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ١ - الصفحة ٤٢٧
الله كقوله تعالى: (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله)، فيدل على عدم فاعلية العبد لفعله وإناطتها بمشيته تعالى، و ليس هذا إلا الالجاء.
والجواب عنه هو: أن هذه الآية في مقام الرد على المفوضة القائلين بأن العبد هو الفاعل، وأنه المحصل لجميع شرائط الفاعلية و مقتضياتها، إلا أن يمنع الله عز وجل عن تأثير فاعليته بمشيته، ومحصل ما يستفاد من هذه الآية الشريفة هو النهي عن القول بكون العبد فاعلا تاما إلا أن يشاء الله تعالى - أي يمنعه عن الفعل - كما زعمه المفوضة، إذ من المعلوم: أن العبد ليس فاعلا تاما أي محصلا لشرائط فاعليته، لكنه ليس مستلزما للجبر، لما مر من أن العبد يعمل مختارا بما أفاضه الله تعالى عليه من القدرة.
ثانيهما: ما ظاهره استناد الضلالة والهداية إلى مشيته تعالى، كقوله عز وجل: (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) وغيره مما هو بمضمونه.
والجواب عن ذلك: أن الهداية تطلق على معان:
الأول: الهداية التكوينية، وهي إفاضة الوجود على الكائنات، وجعلها منظمة لتترتب عليها الغايات والاغراض.
الثاني: الهداية التشريعية، وهي إنزال الكتب، وإرسال الرسل، ونصب الأوصياء، وإيجاد سائر وسائل التبليغ والارشاد، وهي المرادة بقوله تعالى: (أنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) فمعنى الهداية حينئذ إراءة طريق الحق، فان شاء العبد سلكه وإن شاء تركه.
الثالث: الهداية الموصلة إلى المطلوب بحيث لا يبقى للعبد اختيار في عدم