فان قيل إن الدليل قام على جريان استصحاب عدم النسخ، أجبنا عنه بان دليله الاجماع والمتيقن منه احكام هذه الشريعة، فبالنسبة إلى أحكام الشريعة السابقة لا مخرج عما يقتضيه القاعدة، فهذا البحث انما يكون على مبنى القوم القائلين بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية.
وكيف كان فقد استدل لجريان الاستصحاب في الحكم الثابت في الشريعة السابقة: بان المقتضى موجود وهو جريان دليل الاستصحاب وعدم ما يصلح مانعا عدى أمور.
أحدها: ما اشتهر من أن هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرايع فلا شك في بقائها حينئذ.
والظاهر أن منشأ ما ذكر: ان الحكم المجعول لا مقام له سوى مقام الوحي به بلسان جبرائيل على قلب النبي (ص)، فذلك الانشاء القائم بجبرئيل، عين جعله تعالى، فيكون الباقي عين ذلك الموحى به إلى ذاك النبي، وعليه، فإذا بقى حكم واحد من أحكام الشريعة السابقة لزم كون نبينا (ص) تابعا لذلك النبي السابق في ذلك الحكم، وهذا ينافي ما دلت النصوص الكثيرة عليه من أن الأنبياء لو كانوا أحياءا لما وسعهم الا اتباعه وانه أفضل الأنبياء هذا بناءا على عدم كون جعل الحكم بيد النبي (ص) والا فالامر أوضح.
وأجيب عنه بان جعل الاحكام انما يكون من قبل الله تعالى وله مقام غير مقام الوحي: إذ الجبرئيل يكون سفيرا ومبلغا لتلك الأحكام المجعولة المحفوظة في اللوح المحفوظ لا انه منشأها وعليه فبقاء حكم من أحكام الشريعة السابقة لا يستلزم اتباع نبينا (ص) لذلك النبي كما لا يخفى، فعدم الدليل على نسخ الجميع يكفي في الحكم بالعدم.
ويمكن ان يقال كما افاده المحقق الأصفهاني (ره) بان اللوح المحفوظ عند أهله عبارة عن عالم النفس الكلية الموجود فيها صور ما في العقل الكلى بنحو الفرق والتفصيل فليس وجود كل ما فيها الا بوجود النفس الكلية، لا بوجود ذلك الشئ الخاص به في نظام الوجود، فالحكم بوجوده الخاص غير موجود في ذلك المقام الشامخ.
وأجاب عنه الشيخ الأعظم بما حاصله انه بعد ما لا كلام في أن شريعة الاسلام