وما اشتهر من أن المعاني الحرفية، ملحوظات آلية، حتى كاد ان يعد من الضروريات مما لا أصل له، وقد ذكرنا في ذلك المبحث انه غالبا يكون المعنى الحرفي مقصودا أصليا في الكلام، بل الفرق بين المعنيين انما يكون في أنفسهما لا في اللحاظ، وثانيا انه لو كان المحذور ذلك فإنما هو يمنع عن تقييد المعنى بعد اللحاظ لا ما إذا قيد المعنى أولا ثم لو حظ المعنى المقيد، واستعمل اللفظ فيه بنحو تعدد الدال والمدلول.
الثالث: انه من المبرهن في محله، ان الايجاد والوجود واحد حقيقة، والقرق بينهما انما هو بالاعتبار حيث إنه باعتبار استناده إلى الموجد ايجاد، وباعتبار نفسه وجود، وعليه فلا يعقل كون الايجاد فعليا والوجود استقباليا، فكيف يمكن ان يكون الانشاء فعليا، والمنشأ استقباليا، وان شئت فقل ان الانشاء ايجاد للطلب فلا يمكن تأخر المنشأ عن الانشاء، وأجاب عنه صاحب الكفاية بان المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله فلابد ان لا يكون قبل حصوله طلب وبعث وإلا لتخلف عن انشائه، وانشاء امر على تقدير كالاخبار به بمكان من الامكان كما يشهد به الوجدان انتهى.
وفيه: انه فرق بين الاخبار والانشاء، فان الاخبار انما يكون حكاة ى فيمكن تعلقه بالامر المتأخر، لتعلق الحكاية بالامر المتأخر، بخلاف الانشاء الذي هو ايجاد، والصحيح هو قياس الانشاء والمنشأ، بالايجاد والوجود الخارجيين كما صنعه المستدل، فكما لا يعقل التخلف هناك لا يعقل التخلف هنا، وما افاده بقوله فلابد ان لا يكون قبل حصوله طلب والا لتخلف عن انشائه، وان كان متينا، الا انه متفرع على امكان انشاء امر على تقدير الذي هو محل الكلام.
وأجاب عنه بعض المحققين، بان المنشأ هو الوجود الانشائي وهو يكون ملازما للانشاء، ومتحققا بتحققه بل هو عينه، والمتأخر انما هو فعلية المنشأ، فلا يلزم تخلف المنشأ عن الانشاء وبعبارة هو الطلب الانشائي لا الفعلي وهو غير متخلف عن الانشاء.
وفيه: ان فعلية المنشأ عبارة أخرى عن تحققه فحينئذ يسئل عن هذا التحقق والوجود المعبر عنه بالفعلية هل يكون بانشاء أحد، أم وجد بنفسه، وعلى الأول هل له