تصور المعاني أيضا الثاني: عدم تسجيل التاريخ ذلك، ولو كان الواضع شخصا أو أشخاصا لا محالة كان مسجلا في التاريخ.
وفيهما نظر اما الأول، فلانه من الممكن أين يكون الواضع جماعة يضعون كل لفظ خاص عند الاحتياج إلى ابراز المعاني المخصوصة في مدة من الزمن. ومما يؤكد ذلك، ما نرى من وضع ألفاظ خاصة للمعاني الحادثة عند الابتلاء إلى ابزارها. واما الثاني، فلان الوضع التدريجي بالنحو المتقدم، ليس من الأمور المهمة، والحوادث التاريخية، كي يتصدى الناس لضبطه. فالمتحصل ان العلقة الوضعية ليست ذاتية ولا يكون لها منشأ ذاتي.
بيان حقيقة الوضع واما الجهة الثانية، فقد ذهب كثير من المحققين، إلى أنها حقيقة اعتبارية، وذكروا في كيفيتها أمورا: أحدها: ما افاده المحقق الأصفهاني، وحاصله: انه كما يكون للأسد مثلا نحوان من الوجود: حقيقي وهو الحيوان المفترس، واعتباري وهو الرجل الشجاع كذلك يكون للوضع نحوان من الوجود: الحقيقي كوضع العلم على رأس الفرسخ لينتقل من النظر إليه، ان هذا رأس الفرسخ، والاعتباري، بمعنى ان الوضع يعتبر وضع لفظ خاص على معنى مخصوص.
وفيه: انه في باب الوضع الحقيقي لا دلالة حقيقية، بل هي فيه أيضا تابعة للجعل والبناء فباب الوضع الخارجي أجنبي عن باب الدلالة، وان كان قد يتصادقان في مورد واحد كالمثال، كما أنه قد يتصادق الرفع والدلالة، كما لو بنى المولى على أنه كلما عطش يرفع العمامة من رأسه فيكون الرفع دالا على حدوث العطش، وموجبا لانتقال الذهن إليه، وعليه فحقيقة الوضع ليست اعتبار مفهوم الوضع على حد الوضع الخارجي، مع أنه ينافي ذلك ما سيصرح به (ره) في مبحث استعمال اللفظ في أكثر من معنى، من أن اللفظ ليس علامة للمعنى بل يكون وجودا تنزيليا للمعنى، وعليه يبنى عدم جواز الاستعمال المذكور.