وغرض المتكلم قد يتعلق بابراز حصة خاصة من المفهوم، فلابد للواضع من وضع ما يوجب تحصص المعنى وتقييده، وليس ذلك الا الحروف والهيئات الدالة على النسب الناقصة، وهيئة الإضافة أو التوصيف، مثلا كلمه " في " في قولنا: الصلاة في المسجد، لا تدل الا على أن المراد من الصلاة ليس هي الطبعية السارية، بل خصوص حصة منها، كان تلك الحصة موجودة في الخارج، أم معدومة ممكنة، أم ممتنعة. ولهذا يكون استعمال الحروف في الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد، وبلا عناية في شئ منها.
ولكن يرد عليه، ان ما ذكر وان كان متينا، إذ ليس شان الأسماء التضييق، بل ذلك شان الحروف، الا ان ذلك اثر معاني الحروف ونتيجتها لا انها وضعت لذلك. والشاهد عليه، ان قولنا: زيد في الدار، يدل على ثبوت النسبة الظرفية التي غير المعاني الاسمية، ولو مع فرض إرادة الحصص منها. والدال عليها ليس إلا لفظ " في ".
بيان المختار في المعنى الحرفي والتحقيق يقتضى ان يقال: ان الحروف انما وضعت للنسب والروابط الصرفة.
توضيح ذلك: ان الوجود ينقسم إلى أربعة اقسام: الأول: ما يكون في نفسه ولنفسه وبنفسه وهو وجود الواجب. الثاني: ما يكون في نفسه ولنفسه وبغيره، وهو وجود الجوهر.
الثالث: ما يكون في نفسه ولغيره وبغيره، وهو وجود الاعراض، ويعبر عنه بالوجود الرابطي، ويعبر عن هذه الثلاثة، بالوجود المحمولي، ومفاد كان التامة وثبوت الشئ الرابع: ما يكون في غيره ولغيره وبغيره وهو المعبر عنه بالوجود الرابط، وهو أضعف مراتب الوجود، حتى أنه الاسفار حكم يتخالف الوجود الرابط مع الوجود المحمولي سنخا، وان اطلاق الوجود عليما من باب الاشتراك اللفظي، والحروف والهيئات انما وضعت لإفادة هذا المعنى، وبما ذكرناه ظهر الفرق بين الحروف والاعراض.
فان قلت: الفرق بين الحروف وجملة من الاعراض واضح مما ذكرت، واما