واما ما قيل من أنها من المسائل الكلامية نظرا إلى أن البحث عنها بحث عقلي فلا ربط لها بعالم اللفظ أصلا، فيرد عليه ان مجرد كون البحث عنها عقليا لا يوجب دخولها في المسائل الكلامية فإنها عبارة عن المسائل التي يبحث فيها عن أحوال المبدأ والمعاد فحسب.
هذه المسألة من المسائل العقلية الثالثة: الظاهر أن هذه المسألة، من المسائل العقلية، لامن مباحث الألفاظ كما يظهر من صاحب المعالم، إذ الحاكم بالملازمة انما هو العقل، غاية الامر ان هذا الحكم العقلي، انما هو من الاحكام العقلية غير المستقلة، وهي مالا يستنبط منها الأحكام الشرعية ، الا بعد ضم مقدمة شرعية إليها، وليس من الاحكام العقلية المستقلة، وهي ما يستنبط منها الأحكام الشرعية مستقلا بلا احتياج إلى ضم شئ آخر إليها.
وذلك لأنه لا يستنبط من حكم العقل بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة، حكم شرعي الا بعد ثبوت وجوب ذي المقدمة وضمه إليه، وتوهم انحصار الاحكام العقلية بالقسم الثاني، أوجب جعل هذه المسألة من مباحث الألفاظ، والا فلا ربط لهذه المسألة بها.
وربما يقال انه يمكن ان يكون نظر صاحب المعالم إلى أن الملازمة ان كانت ثابتة بحكم العقل كان لازمه دلالة ما دل على وجوب ذي المقدمة على وجوب المقدمة بالدلالة الالتزامية فمن نفيها يستكشف عدمها.
ويرد عليه ان الدلالة الالتزامية تتوقف على كون اللزوم عرفيا أو عقليا بينا بالمعنى الأخص بحيث يلزم من تصور الملزوم تصور اللازم. واما ان كان اللزوم بينا بالمعنى الأعم وهو ما يجب معه الحكم باللزوم عند تصور الطرفين أو غير بين فلا يدل الكلام الدال على الملزوم عليه بالدلالة الالتزامية، فمن نفى الدلالة اللفظية لا يمكن ان يستدل على عدم الملازمة.