دليل القول بوجوب المقدمة الثالث: فيما استدلوا به لوجوب المقدمة وقد ذكروا وجوها.
منها: ما افاده الشيخ الأعظم وتبعه المحققان الخراساني والنائيني وحاصله ان من راجع وجدانه وانصف من نفسه يقطع بان الملازمة بين الطلب المتعلق بالشئ والمتعلق بمقدماته ثابتة، لا نقول بتعلق الطلب الفعلي بها، كيف والبداهة قاضية بعدمه لجواز غفلة الطالب عن المقدمية، إذ ليس النزاع منحصرا في الطلب الصادر من الشارع حتى لا يتصور في حقه ذلك، بل المقصود ان الطالب لشئ إذا التفت إلى مقدمات مطلوبه يجد من نفسه حالة الإرادة على نحو الإرادة المتعلقة بذيها كما قد يتفق هذا النحو من الطلب أيضا فيما إذا غرق ابن المولى ولم يلتفت إلى ذلك أو إلى كونه ابنه فان الطلب الفعلي في مثله غير متحقق لابتنانه على الالتفات لكن المعلوم من حاله انه لو التفت إلى ذلك لأراد من عبده الانفاذ، وهذه الحالة وان لم تكن طلبا فعليا الا انها تشترك معه في الآثار ولهذا نرى بالوجدان في المثال المذكور انه لو ينقذ ابن المولى عد عاصيا ويستحق العقاب.
وأوضحه المحقق النائيني (ره) بما محصله. انه كما أن من اشتاق إلى فعل نفسه لا محالة ينبعث منه الشوق إلى مقدماته كذلك لو اشتاق إلى ما هو فعل الغير، فكما انه لو أراد شيئا وكان ذلك الشئ يتوقف على مقدمات، لا محالة يريد تلك المقدمات وتتولد من تلك الإرادة إرادة المقدمات قهرا كذلك إرادة الامر، ولا مورد للايراد عليه بأنه لا موجب لإرادة المقدمات بعد حكم العقل بأنه لابد من اتيانها لتوقف الطاعة عليها، وبعد ذلك لا حاجة إلى تعلق الإرادة بها، فإنه ليس الكلام في الحاجة وعدم الحاجة بل كلامنا ان إرادة المقدمات تنقدح في نفس الامر قهرا بحيث لا يمكن ان لا يريدها فلا تصل النوبة إلى الحاجة وعدمها، نعم لو كان الوجوب المبحوث عنه في المقام هو الوجوب الأصلي الناشئ عن مبادئ مستقلة، لكانت دعوى عدم الحاجة في محلها وكان الأقوى حينئذ عدم وجوبها الا انه ليس الكلام فيه بل في الوجوب القهري الترشحي وهذا