الثالث ما في تقريرات بحثه، وحاصله: انا لا نتعقل شيئا في النفس يحدث بعد الإرادة، إذ للنفس قسمان من الفعل الجانحي والجارحي، والأول ينحصر في التصور و التصديق ونحوهما مما يكون من مبادئ الإرادة ولا يعقل تأخره عنها، والثاني نفس الافعال الخارجية.
وفيه: ان المدعى ثبوت فعل من ما يكون من قبيل القسم الأول أي الفعل الجانحي، ولكن دعوى عدم معقولية تأخره عن الشوق فاسدة، إذ لو أريد تأخر ما يكون متقدما عليه، فهو واضح البطلان وأما لو أريد به وجود فعل آخر - وهو حملة النفس الذي عرفت أن الوجدان يساعد على وجوده - فهو لا يكون متقدما كي يلزم منه تأخر ما هو متقدم.
عدم استحالة الترجيح بلا مرجح تذنيب لا يخفى أنه بعدما عرفت من عدم كون الشوق علة للفعل، فاعلم أنه الداعي والمرجح لوجود الاختيار غالبا، لان الاختيار في وجوده يحتاج إلى موجد وهو النفس ومرجح وهو الشوق غالبا، والاحتياج إلى المرجح انما يكون لأجل الخروج عن اللغوية، والا فيمكن ايجاد الفعل الاختياري بلا مرجح، لعدم استحالة الترجيح بلا مرجح.
توضيح ذلك: انه لا اشكال ولا كلام في استحالة الترجح بلا مرجح، بمعنى وجود الشئ بلا موجود، لان الممكن في وجوده محتاج إلى المؤثر وهو المرجح للوجود. وهذا من البداهة بمكان.
وأما الترجيح بلا مرجح فقد وقع الخلاف في امكانه، فالتزم أكثر الفلاسفة والحكماء بامتناعه، وذهب جماعة من المحققين إلى امكانه، وهو الأقوى عندي.
إذ محصل البرهان الذي ذكر للامتناع أن الترجيح بلا مرجح يرجع إلى الوجود بلا موجد، وحيث أنه محال فهذا أيضا محال. توضيحه: أنه لو فرضنا تساوى الفعلين من