أوجد نفس مقدمات الاختيار الموجبة لأنواع العقوبات، وهل لا يكون ذلك منافيا لرحمة رب الأرباب؟
و الظاهر أن قوله " اللازمة لخصوص ذاتهما " الخ، إشارة إلى الجواب عن ذلك.
وجه ايجاد من سيوجد منه المهلكات وحاصله كما أفاده بعض المحققين يظهر بعد بيان مقدمات: الأولى ان لكل ماهية من الماهيات في حد ذاتها حدا معنيا بحيث لو زيد عليه أو نقص عنه خرجت عن كونها تلك الماهية. مثلا: ماهية الشجر جوهر ممتد نام، ولو زيد عليه الحاسبة صار حيوانا، ولو نقص عنه النمو صار جمادا.
الثانية ان لماهية الأشياء نحو وجود في العلم الأزلي الربوبي بتبع العلم بالوجودات.
الثالثة: ان المجعول بالأصالة هو الوجود والماهية ومجعولة بالتبع والعرض، و وجدانها لذاتها وذاتياتها ولوازمها غير محتاج إلى جعل وتأثير، ولا يعقل الجعل بين الشئ ونفسه ولا بينه وبين لوازمه.
الرابعة ان كل ممكن غير متوقف على ممتنع بالذات يجب وجوده، إذ لا نقص في طرف مبدأ المبادئ ولا في المعلول لفرض امكانه ولا في الوسائط والأسباب لفرض عدم التوقف على الممتنع بالذات، وغيره يجرى فيه هذا البيان.
إذا عرفت هذه المقدمات يظهر لك أن تفاوت الماهيات في أنفسها ولوازمها بنفس ذواتها لا يجعل جاعل وتأثير مؤثر، فمنهم شقي ومنهم سعيد بنفس ذاته وما هويته، حيث أن الماهيات كانت موجودة في العلم الأزلي وطلبت بلسان حال استعدادها الدخول في دار الوجود، وكان معطى الوجود فياضا بذاته غنيا بنفسه فيجب عليه إفاضة الوجود ويمتنع عليه الامساك عنه، وحيث إن الجود بمقدار قبول القابل وعلى طبق حال السائل كانت الإفاضة عدلا وصوابا.