" لا يكلف الله نفسا الا وسعها " 1، وقال " وما جعل عليكم في الدين من حرج " 2، وقال " ونضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم " 3 وأي حرج ومشقة فوق التكليف بالمحال.
فالمتحصل من مجموع ما ذكرناه: ان القول بالجبر لا يساعده البرهان بل يخالفه والوجدان يرده وينافيه، والآيات القرآنية المباركة والنصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام ترده، ويترتب عليه عدة توال فاسدة.
الاستدلال للقوم بالتفويض ونقده الطائفة الثانية من المسلمين - وهم المعتزلة - حفظا لعدالة الله تعالى التزموا بأن أفعال العباد الاختيارية غير مربوط به تعالى، بل تمام المؤثر هو الانسان. وقد مر عند نقل الأقوال في المسألة، ان أكثر القائلين بالتفويض قالوا بوجوب الفعل بعد إرادة الانسان، وذهب جماعة منهم إلى عدم الوجوب.
واستدلوا له بعد الرد على الجبرية والبناء على أن الأفعال الاختيارية تصدر عن الانسان باختياره، بأن مبادئ الافعال من نفس وجود الانسان وحياتهن، وادراكه للفعل، وشوقه إليه، وملائمة ذلك الفعل لقوة من قواه وقدرته على ايجاده، وان كان حدوثها من قبل الله عز وجل، الا أن بقاءها واستمرارها في الوجود لا يحتاج إلى المؤثر في كل آن.
ويكون مثل خالق الأشياء معها، مثل الكاتب يحتاج إليه الكتاب في حدوثه وتبقى الكتابة نفسها، أو مثل البناء يقيم الجدار بصنعه ثم يستغنى الجدار عن بانيه ويستمر وجوده وان فنى صانعه. وعليه فلا يحتاج العبد في صدور الفعل منه - بعد إفاضة الوجود وسائر المبادئ - إلى شئ، وهو المؤثر التام فيه.