وبالجملة لا ريب في أن مجرد الشوق لا يوجب تحرك العضلات لما يرى بالوجدان أنه ربما يشتاق الانسان إلى شئ ولا يتحقق المشتاق إليه الا بعد اعمال القدرة وحمله النفس. مثلا: لو وقف الانسان على قنطرة وكان في أحد طرفيها بساتين فيها رياحين واشتاق إلى الذهاب إليها كمال الاشتياق وكان في الطرف الآخر النار مشتعلة لو دنا منها لاحترق وكره الذهاب إليها كمال الكراهة، ومع ذلك لا يتحقق ما تعلق شوقه به، بل يرى نفسه بعد ذلك قادرا على الذهاب إلى كلا الطرفين.
فمن هذا يستكشف أن الشوق لا يكون علة للفعل، بل بينهما واسطة، وهو اعمال القدرة، حيث أن زمام البدن بيد النفس تقلبه حيث ما شاءت، فبعد تحقق الشوق لها أن تعمل قدرتها في الفعل فيفعل، وهذا معنى ما يقال " شئت ففعلت "، ولها أن لا تعمل فلا يتحقق الفعل.
وهذا الأعمال الذي يكون فعل النفس، يعبر عنه بالمشيئة والاختيار، وحملة النفس والإرادة والفعل يصدر عنه لا عن الشوق.
قانون العلية العامة الثالثة ان قانون العلية والمعلولية، بمعنى أن الموجود يحتاج إلى علة لأجل وجوده ووجوب تحقق المعلول عند تحقق العلة بتمام أجزائها وامتناع تحققه مع عدم جزء منها، وان تم في الموجودات غير الأفعال الاختيارية الا أنه لا يتم في الاختيار، بحيث يكون الاختيار لازم التحقق عند تمامية علته وان لا يعقل وجوده مع عدم العلة.
وبعبارة أخرى: احتياج كل ممكن حادث إلى علة لا ينفك عنها، ممنوع، لعدم البرهان عليه، بل البرهان على خلافه، فان الاختيار فعل النفس، والنفس توجده ولا تكون الأمور الخارجية ولا الغرائز الداخلية التي أساسها حب البقاء المنشعب منه حس جلب النفع ودفع الضرر، إذ ربما يكون جميع ذلك موجودة والنفس متوجهة إليها ومع ذلك لا يختار الفعل.