في قول الشاعر " لدوا للموت وانبوا للخراب ". فالآية الشريفة لا تدل على أن كثيرا من الإنس والجن خلقوا اليد خلوا السعير، بل تدل على أن عاقبة كثير من الطائفتين هو دخول جهنم وذيلها يدل على أن هذه العاقبة التي في انتظارهم ليست بجبر من الله تعالى، بل من ناحية أنهم أفشلوا وسائل اداركاتهم بالمعاصي عن اختيار.
وبذلك يظهر الجواب عن استدلال له بقوله تعالى " ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم " 1 فان هذه الآية واردة في الذين كفروا باختيارهم.
ولا يبعد أن يكون المراد بهم الكفار من كبراء مكة الذين عاندوا في أمر الدين ولم يألوا جهدا في ذلك، تدل خصوصا بقرينة تغيير السياق (حيث نسب الختم إلى نفسه تعالى والغشاوة إليهم أنفسهم) على أن فيهم حجا بين حجابا في أنفسهم وحجابا من الله تعالى عقيب كفرهم، فأعمالهم متوسطة بين حجا بين من ذاتهم ومن الله تعالى.
القول بالجبر مخالف للوجدان فالمتحصل مما ذكرناه أن شيئا من البراهين التي أقيمت على الجبر لا يتم.
وأضف إلى ذلك أن القول به مخالف للحس والوجدان، وذلك لان كل انسان يجد ويدرك بفطرته أنه قادر على جملة من الافعال ويتمكن من أن يفعلها أو يتركها، ولا يفعلها الا ويرى قادر على تركها. وهذا الحكم فطري لا يشك فيه أحد ما لم يعتريه شبهة من الخارج.
وقد أطبق العقلاء كافة على استحقاق فاعل القبيح للذم وفاعل الحسن للمدح، مع اطباقهم على أن الذم والمدح انما يتوجهان إلى المختار دون المضطر، فكون جملة من الافعال اختيارية مما بنى عليه بناء العقلاء.