قلنا: ان فرض تأثير هذا الجعل في تغيير مصير الإرادة فرض اختيارية الإرادة، إذ لولا كونها اختيارية لم يكن يؤثر هذا الجعل في تغييرها.
الاستدلال للجبر بمبدئية الله سبحانه القسم الثاني ما استدل به للجبر من ناحية ما وراء الطبيعة، وهو أمور:
أحدها أنه قد ثبت في محله أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات وانه مبدأ الكل ولا مؤثر في الوجود الا هو، ومن جملة الأشياء أفعالنا الاختيارية، فهي مخلوقة لله سبحانه ابداعا واحداثا، قال الله عز وجل " ذلك الله ربكم خالق كل شئ لا اله الا هو " 1، وقال سبحانه، " وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم " 2 وقال " ألا له الخلق والامر " 3 فكل ما يصدق عليه اسم شئ - ومن ذلك الأفعال الاختيارية - فهو مخلوق لله تعالى منسوب إليه.
أقول: انه كما لا تنافى بين تأثير العلل والأسباب الطبيعية في المعلولات والمسببات نظير تأثير النار في الحرارة وما شاكل، وبين مبدئيته تعالى بعد كون زمام أمر العلل والأسباب بيده سبحانه، ولذلك قد يسند القرآن الافعال الطبيعية إلى فواعلها، وقد يسند الجميع إلى الله سبحانه. كذلك لا تنافى بين كون الفعل الاختياري منسوبا إلى الانسان وبين استناده إلى الله تعالى بعد كون أصل وجوده وحياته وقدرته حدوثا وبقاءا بإفاضة من الله.
ولذلك نرى أنه قد جمع في كثير من الآيات بين الاثباتين جميعا، فنسب الفعل إلى فاعله والى الله سبحانه، كقوله تعالى " والله خلقكم وما تعلمون " 4، فنسب أعمال الناس