حمل " اليقين " المأخوذ في الدليل على هذه الصفة، فإن وصف القطع الواضح، هو كونه طريقا وأمارة وكاشفا، والتنجيز والتعذير من الاعتبارات العقلائية المترتبة على هذه الكاشفية، فما دام لم تقم قرينة على ذلك، يتعين حمل " القطع " المأخوذ موضوعا على الطريقية بالضرورة عرفا.
فما اشتهر بين المتأخرين، من قيامه مقام القطع الطريقي إذا كان أصلا منجزا (1)، غير صحيح، ومجرد قولهم: " إنه من الأصول المحرزة (2)، لا يتم إلا برجوعه إلى أن الشرع اعتبر بقاء اليقين في ظرف الشك، أو اعتبر التعبد باليقين المماثل لليقين الأول في الآثار، لأن صفة الإحراز من تبعات اليقين، لا المتيقن، فالقول بأن الاستصحاب من الأصول المحرزة، معناه في الحقيقة: أنه أمارة تأسيسية شرعية، باعتبار التعبد الذي أمره بيد الشرع سعة وضيقا.
بقي أمر آخر:
إذا كان القطع مأخوذا في الموضوع على وجه يكون قيدا وجزء، مثلا إذا ورد " الخمر المتيقنة خمريتها حرام " ففيما يقوم الدليل على نفوذ الأمارات العقلائية، يمكن أن يحكم بحرمة الخمر القائمة على خمريتها إحدى الأمارات الممضاة، لأنه بعد قيامها عليها ينتزع " أن هذه الخمر متيقنة الخمرية ".
وأما كفاية الاستصحاب عن ذلك (3) فتمنع، لأن الأصل لا يفي إلا بإثبات أن ما في الخارج هو الخمر، وأما انتزاع الصفة المزبورة بعد قيام الأصل، فيكون من لوازم الأصل بعد جريانه ونفوذه، وإثبات هذه اللوازم به ممنوع، ضرورة أن التعبد