مثلا: في مسألة الصلاة في المغصوب، لا يكون موضوع النهي " المغصوب الواقعي " ولا " المغصوب المعلوم تفصيلا أو إجمالا " لعدم جواز الصلاة في صورة العلم الاجمالي بأن الثوبين أحدهما: مغصوب، والآخر: نجس، مع أنه لا علم بالغصب تفصيلا، ولا إجمالا.
نعم، الغصب متنجز، فتكون الصلاة في المغصوب المنجز منهية وباطلة.
فعلى ما حصلنا، ظهرت مواضع الضعف في كلمات القوم، بحمد الله، وله الشكر، وتبين أن هناك أمرا آخر من القطع، تقوم مقامه الأصول العملية والاحتمال البدوي، والله الهادي إلى سواء السبيل.
من هنا - وهو كيفية قيام الاحتياط العقلي مقام القطع - يظهر كيفية قيام البراءة العقلية مقام القطع، مثلا إذا ورد " أن الخمر غير المعلومة خمريتها حلال " وفرضنا أن المراد من صفة العلم هي المنجزية، فيكون مفاد الدليل " أن الخمر غير المتنجزة خمريتها حلال " ففي مورد الشك في الخمرية، يحرز موضوع هذا الدليل بالوجدان، وهذا هو معنى قيام البراءة مقام العلم، لأن العلم المأخوذ في الدليل أعم من المنفي والمثبت، كما سيظهر في تحرير قيام البراءة الشرعية.
توضيح وإفادة مما ذكرناه في طول البحث، يظهر حكم أصالة الصحة، وقاعدة القرعة، وحكم الحاكم في مثل هلال رمضان وشوال، فإن أصالة الصحة إن كانت أمارة عقلائية فتلحق بها في الآثار، وأما لو كانت أصلا عرفيا، كما هو المشهور (1)، وقد أمضاها الشرع، فلا دليل على قيامها مقام القطع الموضوعي بأقسامه.