المتقدمين، وقد عرفت أن ذلك أيضا لا يمكن بالبيان المتقدم، فالقول باستحقاق المتجرى للعقاب من الجهة الثالثة أيضا لا يتم.
الجهة الرابعة: دعوى حرمة التجري من جهة قيام الإجماع ودلالة الأخبار عليه، فيكون البحث من هذه الجهة فقهيا، كما أن البحث من الجهة الثالثة يكون كلاميا، ومن الجهة الثانية يكون أصوليا من حيثية وكلاميا من أخرى، ومن الجهة الأولى يكون أصوليا. ولا يخفى عليك أن البحث عن الجهة الرابعة إنما يستقيم بعد تصوير ما يمكن أن يتعلق به خطاب شرعي، بحيث يكون فعلا اختياريا ملتفتا إليه حتى يكون حراما شرعا، ولا يمكن أن يكون عنوان التجري معروض الحرمة (1) لما تقدم من أن الالتفات إلى هذا العنوان لا يمكن، كما لا يمكن أن يكون فعل المتجرى به معروض الحرمة، لما تقدم أيضا من أن العلم لا يحدث عنوانا يكون ملاكا للحرمة، فيقع الكلام حينئذ فيما هو معروض الحرمة وما انعقد عليه الإجماع وما دل عليه الأخبار، وأنه أي عنوان يكون ذلك، ولابد أيضا أن يكون ذلك العنوان الذي يعرض عليه الحرمة يعم كلا قسمي التجري، وهما ما إذا قصد الحرام وأتى ببعض مقدماته ثم عدل عن قصده بنفسه أو بصارف - بناء على أن يكون ذلك من التجري أيضا - وما إذا قصد الحرام وجرى على طبق مقصده ثم تبين له الخلاف أو لم يتبين له و لكن كان في الواقع مخالفا له، فمعروض الحرمة لابد وأن يكون جامعا بين هذين القسمين، ولا يمكن أن يكون الجامع هو قصد المعصية لدلالة جملة من