يصح أن يقال: إنها عين القطع، وما يكون شأنه ذلك كيف يصح أن تناله يد الجعل التشريعي!.
وبعبارة أخرى: طريقية كل شئ لابد وأن تنتهي إلى العلم وطريقية العلم لابد وأن تكون ذاتية له، لأن كل ما بالغير لابد وأن ينتهى إلى ما بالذات و إلا لزم التسلسل.
ومما ذكرنا يعلم: أن نفى الطريقية والحجية عن القطع أيضا لا يعقل، إذ لا يمكن شرعا سلب ما هو من لوازم الذات، مضافا إلى لزوم التناقض. وذلك كله واضح لا يحتاج إلى أزيد من تصور حقيقة القطع.
ولا يصح إطلاق الحجة عليه، فان الحجة باصطلاح المنطقي عبارة عن " الوسط الذي يكون بينه وبين الأكبر الذي يراد إثباته للأصغر علقة وربط ثبوتي " إما علقة التلازم وإما علقة العلية والمعلولية، سواء كان الوسط علة لثبوت الأكبر الذي هو البرهان اللمي، أو كان معلولا له الذي هو البرهان الإني، وأمثلة الكل واضحة. ومن المعلوم: أن القطع لا يكون حجة بهذا المعنى، إذ لا يصح أن يقع وسطا في القياس، فلا يقال " هذا معلوم الخمرية وكل معلوم الخمرية خمر أو يجب الاجتناب عنه " لأن الكبرى كاذبة، إذ معلوم الخمرية يمكن أن يكون خمرا ويمكن أن لا يكون، ووجوب الاجتناب لم يترتب شرعا على معلوم الخمرية بل على الخمر الواقعي، لأن الكلام في القطع الطريقي، فلا يكون هناك علقه ثبوتية بين العلم و بين الأكبر، لا علقة التلازم ولا علقة العلية والمعلولية، وما لم يكن علقة لا يصح جعله وسطا فلا يكون حجة باصطلاح المنطقي، كما لا يكون حجة باصطلاح الأصولي أيضا، فان الحجة باصطلاح الأصولي عبارة عن الأدلة الشرعية من الطرق والأمارات التي تقع وسطا لإثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعي من دون أن يكون بينها وبين المتعلقات علقة ثبوتية بوجه من الوجوه، فان متعلقاتها إن كانت من الموضوعات الخارجية فعدم ثبوت العلقة بينهما واضح، إذ لا علقة بين الظن بخمرية شئ وبين نفس الخمر - لا علقة التلازم ولا علقة العلية والمعلولية - وإن