البينة على عدم خمرية مايع وشرب المكلف ذلك المايع برجاء أنه خمر وأن البينة مخالفة للواقع، فحيث لم يكن شربه ذلك مستندا إلى الترخيص الشرعي كان ذلك من التجري، بل لا يبعد أن يكون ذلك من المعصية الحقيقية إذا كانت البينة في الواقع مخالفة وكان ما شربه خمرا، ويكون المقام نظير الاقتحام في الشبهات قبل الفحص، فتأمل.
الثاني: ذكر " صاحب الفصول " ان قبح التجري يختلف بالوجوه و الاعتبار، وربما يطرء عليه ما يخرجه عن القبح، كما إذا علم بحرمة ما يكون في الواقع واجبا وكان مصلحة الوجوب غالبة على مفسدة التجري أو مساوية، و على هذا يختلف التجري حسنا وقبحا شدة وضعفا باختلاف الفعل المتجرى به. ثم ذكر أن التجري لو صادف المعصية الحقيقية يتداخل عقابه مع عقاب المعصية ولا يتعدد عقابه، هذا.
ولكن لا يخفى عليك أنه لا يستقيم شئ مما ذكره، أما في دعواه الأولى: من كون قبح التجري يختلف بالوجوه والاعتبار. ففيها أنه لا يعقل الاختلاف في قبح التجري (1) فان القبح ذاتي له، كقبح المعصية وحسن الطاعة وقبح الظلم وما شابه ذلك من العناوين التي تتغير عما هي عليها، و ليس كقبح الكذب وحسن الصدق مما يمكن أن يطرء عليه جهة توجب حسن الأول وقبح الثاني، وكيف يعقل أن يطرء على التجري جهة توجب حسنه؟
فكما لا يمكن أن تتصف الطاعة بالقبح والمعصية بالحسن كذلك لا يمكن أن يتصف التجري بالحسن.