فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ١٤٧
الأمر الأول، يعتبر في الخبر أن يكون المخبر به من الأمور المحسوسة بأحد الحواس الظاهرة (1) سواء في ذلك باب الخبر الواحد وباب الشهادة، فإنه يعتبر في
(١) أقول: قبل الخوض في المرام ينبغي بيان الخبر المستند إلى الحس أو ما هو القريب منه من الحدس وما هو حدسي محض، فنقول: إنه لا إشكال في المخبر به إن كان علم المخبر بمثله مستندا إلى أحد حواسه الخمسة بلا واسطة، فهو حسي محض، كما أنه لو استند إلى مجرد علمه الناشئ من قرائن شخصية والمبادئ الحدسية المحضة - كالجفر والرمل والنوم وغير ذلك من حسن الظن بالمخبر من جهات عادية شخصية لا العادية النوعية - فهو أيضا من الحدسيات المحضة، وأما إن كان مستندا إلى اللوازم المحسوسة العادية أو القرائن النوعية الملازمة مع المخبر به عادة، فهو أيضا وإن كان المخبر به محرزا عند الخبر بحدسه، ولكن حدسه هذا لما كان مستندا إلى اللوازم الحسية العادية كان من الحدسيات القريبة إلى الحس، نظير الإخبار بالشجاعة وملكة العدالة وأمثالهما من لوازمها المحسوسة العادية وربما يكون ذلك أيضا ملحقا بالحس. وحينئذ فلو أخبر أحد إلى أحد بموت زيد مثلا، فالمخبر الثاني تارة: يخبر عن إخبار مخبره، فهو حسي محض لسماعه منه. وأخرى: يخبر عن نفس موت زيد الذي هو المخبر به لخبره، ففي هذه الصورة تارة: يكون هذا الخبر عن علمه به بالموت من قرائن شخصية حصلت له من مبادئ حدسية - من مثل حسن ظنه بالمخبر له من القرائن الشخصية غير اللوازم الحسية العادية - فهذا الخبر حدسي.
وأخرى: يخبر عن الموت بملاحظة حصول علمه به من ملازمته مع المخبر بنحو يقطع من المبادئ الحسية واللوازم العادية بمطابقة قوله للواقع، فمثل هذا الخبر أيضا من الحدسيات القريبة إلى الحس. وثالثة: يخبر بالموت لا من علمه الوجداني بوجود المخبر به خارجا، بل من جهة علمه التعبدي من تصديقه لمخبره تعبدا بعدالته، فهذا العلم التعبدي أيضا ناشئ عن مباد حسية - من إحراز صغراه حسا وكبراه أيضا بوجود دليله المحرز عنده سندا ودلالة بالحس لكونه نصا وكونه بوجدانه عادلا أو بالشياع الملازم عادة لصدقه ومطابقته للواقع - فهذا أيضا من الحدس القريب إلى الحس.
نعم: لو فرض كون دليل التعبد أيضا حدسيا - ولو من جهة انتهائه سندا ودلالة إلى أدلة ظنية أو بناء عقل أو مجرد إمضائهم بقاعدة حدسية من حكمة أو جهة أخرى من القرائن الشخصية الموجبة للعلم بمطابقة بنائهم للواقع - فهو أيضا ينتهى بالأخرة إلى الحدس، وإن كان بعض مباديه حسيا.
وحيث ظهر ذلك، فنقول: إنه لا إشكال في عدم وفاء دليل حجية خبر الواحد بأزيد من الحسيات أو القريبة إلى الحس كما أنه مع الشك في كونه حدسيا أم حسيا أيضا يلحق بالحس.
وحينئذ فنقول: الظاهر أن من كان في زمان الغيبة الصغرى - كالسيد وأمثاله - أمكن في حقهم أن دعواهم اتفاق تمام الأمة بلفظ " الإجماع " الظاهر فيه بنحو يقتضى دخول الإمام فيهم مستندا إلى أمر حسي، فلا بأس بأخذ خبره لمحض احتمال حسيته، كما أن من يرى خبر السيد ويخبر لنا خبر السيد عن نفسه أيضا بوجدانه لكونه خبر حسي يحكى عن خبر، حسي، كما أنه لو أخبر بمضمون خبر السيد من اتفاق الأمة في عصر السيد مستندا إلى خبر السيد المحرز عنده بالوجدان بضميمة ملازمة قول السيد مع اتفاق من فيهم الإمام بمقدمات حسية - نظرا إلى نص كلام السيد وإحراز عدالته بوجدانه أو بالشياع الملازم له عادة بضميمة إحراز عدم خطائه أيضا بمبادئ حسية من الملازمات العادية بين التفاته وعدم خطائه بوجه - تقبل ذلك أيضا، لأنه من الحدس القريب بالحس، كما أنه لو لم يحرز الواقع بوجدانه بل أحرزه بدليل التعبد الشامل له بمقدمات وجدانية حسية من حيث دلالة دليل التعبد من نصيته وسنده من جزمه بمطابقته للواقع بمبادئ حسية - كما أشرنا - فهو أيضا إخبار عن حدس تعبدي مستند إلى الحس.
وعليه: فلنا أن ندعي: أن كل من يدعى الإجماع أو الاتفاق الظاهر في اتفاق من يصلح أن يكون الإمام فيهم ويحتمل في حقهم حسية هذا المخبر به لهم أو حدسيته القريبة إلى الحس، فلا بأس بالأخذ بمثل هذا الخبر، كما هو الشأن في بنائهم على الأخذ بخبر من يخبر بمضمون خبر غيره بمحض سماعه عن غيره، كإخباره بموت زيد أخبره غيره بموته من دون تشكيك فيه بحدسية خبره غالبا، فهكذا ما نحن فيه، فتدبر.