الغير الواصل فإنه وإن لم يحصل مراد المولى وفات مطلوبه واقعا، إلا أن فواته لم يستند إلى المكلف بعد إعمال وظيفته، بل فواته إما أن يكون من قبل المولى إذا لم يستوفى مراده ببيان يمكن وصول العبد إليه عادة، وإما أن يكون لبعض الأسباب التي توجب اختفاء مراد المولى عن المكلف، وعلى كل تقدير: لا يستند الفوات إلى العبد، فلأجل ذلك يستقل العقل بقبح مؤاخذته، فمناط حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان واقعي غير مناط حكمه بقبح العقاب من غير بيان واصل إلى المكلف.
فان قلت: يكفي في البيان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، فان الشك في التكليف يلازم الشك في الضرر، والعقل يستقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، فيرتفع موضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.
قلت: قد تقدم الكلام في كل من الصغرى والكبرى بما لا مزيد عليه - في مبحث الظن قبل دليل الانسداد - وإجماله: أن المراد من الضرر في حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، إما أن يكون هو الضرر الدنيوي من نقص في الأنفس والأطراف والأعراض، وإما أن يكون هو الضرر الأخروي من العذاب والعقاب، وإما أن يكون هو المصالح والمفاسد التي تبتنى عليها الأحكام من القرب والبعد ونحو ذلك مما لا يرجع إلى الضرر الدنيوي ولا إلى العقاب الأخروي، فإنه يمكن أن تكون مناطات الأحكام أمورا اخر غير المضار الدنيوية والعقاب الأخروي.
وحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل في هذه الوجوه الثلاثة ليس بمناط واحد، بل حكمه بوجوب دفع الضرر الدنيوي بالنسبة إلى خصوص الأنفس والأطراف أو الأعراض أيضا يمكن أن يكون لأجل ما في الضرر الواقعي من المفسدة التي أدركها العقل فاستقل بقبح الإقدام عليه، ويتبعه حكم الشرع بحرمته لقاعدة الملازمة، فان الحكم العقلي في ذلك واقع في سلسلة علل الأحكام، وكلما كان الحكم العقلي واقعا في هذه السلسلة يكون مورد