ليس كذلك، لعدم ثبوت الملاك في كل من طرفي الفعل والترك، فالتخيير العقلي في باب دوران الأمر بين المحذورين إنما هو من التخيير التكويني، حيث إن الشخص لا يخلو بحسب الخلقة من الأكوان الأربعة، لا التخيير الناشئ عن ملاك يقتضيه، فأصالة التخيير عند دوران الأمر بين وجوب الفعل وتركه ساقطة.
وأما الأصول الاخر: من أصالة الإباحة والبرائة الشرعية والعقلية واستصحاب عدم الوجوب وعدم الحرمة، فلا مجال لها أيضا، ولكن لا بملاك واحد بل عدم جريان كل واحد منها بملاك يخصه.
أما أصالة الإباحة - فمضافا إلى عدم شمول دليلها لصورة دوران الأمر بين المحذورين فإنه يختص بما إذا كان طرف الحرمة الإباحة والحل كما هو الظاهر من قوله - عليه السلام - " كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال " وليس في باب دوران الأمر بين المحذورين احتمال الإباحة والحل بل طرف الوجوب، ومضافا إلى ما قد تقدم: من أن دليل أصالة الحل يختص بالشبهات الموضوعية ولا يعم الشبهات الحكمية - إن جعل الإباحة الظاهرية مع العلم بجنس الإلزام لا يمكن، فان أصالة الإباحة بمدلولها المطابقي تنافى المعلوم بالإجمال، لأن مفاد أصالة الإباحة الرخصة في الفعل والترك، وذلك يناقض العلم بالإلزام (1) وإن لم يكن لهذا العلم أثر عملي وكان وجوده كعدمه لا يقتضى التنجيز، إلا أن العلم بثبوت الإلزام المولوي حاصل بالوجدان، وهذا العلم لا يجتمع مع جعل الإباحة ولو ظاهرا، فان الحكم الظاهري إنما يكون في مورد الجهل بالحكم الواقعي، فمع العلم به وجدانا لا يمكن جعل حكم ظاهري يناقض بمدلوله المطابقي نفس ما تعلق العلم به.
والحاصل: أن بين أصالة الإباحة وأصالة البراءة والاستصحاب فرقا