هو التبعيض في الاحتياط بمقدار لا يلزم منه العسر والحرج، لحكومة أدلة نفيهما على التكاليف المعلومة بالإجمال المنتشرة في الوقايع المشتبهة التي يلزم من رعايتها في حال الجهل وانسداد باب العلم والعلمي بها العسر والحرج.
وأما ما أفاده (قدس سره) من أن مفاد أدلة نفي العسر والحرج والضرر إنما هو نفى الحكم بلسان نفى الموضوع وأن التوفيق العرفي يقتضى تقديمها على أدلة الأحكام من دون أن تكون حاكمة عليها لعدم كونها بمدلولها اللفظي شارحة لها ومفسرة لما أريد منها، فلتفصيل الكلام فيه محل آخر، وإجماله: هو أنه لا يعتبر في الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحا ومفسرا لما أريد من الدليل الآخر بمثل كلمة " أي " أو " أعني " وما أفاد معنى ذلك - وإن كان يوهمه ظاهر عبارة الشيخ (قدس سره) في مبحث التعادل والتراجيح - فإنه لم يوجد فيما بأيدينا من الأدلة ما يكون بهذه المثابة، إلا بعض ما ورد في أخبار تنصيف المهر في موت الزوجة وطلاقها (1) وإلا فأغلب الحكومات لا يكون دليل الحاكم بمدلوله اللفظي شارحا ومفسرا لما أريد من دليل المحكوم، بل الذي يعتبر في الحكومة، هو أن يكون مفاد دليل الحاكم النتيجة المتحصلة من تحكيم قرينة المجاز على ذيها، أو تحكيم الخاص على العام والمقيد على المطلق.
والضابط الكلى في ذلك: هو أن يكون أحد الدليلين متكفلا لبيان ما لا يتكفله دليل المحكوم. وبذلك تفترق الحكومة عن التخصيص وإن كانت النتيجة واحدة، فان مفاد دليل المخصص نفى ما أثبته العام أو إثبات ما نفاه مع اتحاد الموضوع والمحمول فيهما وكان الاختلاف بينهما في مجرد السلب والايجاب، كما في مثل قوله: " أكرم العلماء ولا تكرم الفساق من العلماء " وهذا بخلاف الحاكم والمحكوم، فان الاختلاف بينهما ليس بمجرد السلب والايجاب، بل دليل