من جهة أنه هو الطريق الواصل بنفسه وطريقية الظن يحتاج إلى جعل لم يثبت، فالتبعيض في الاحتياط لا ينحصر أن يكون بالزام من العقل في أطراف العلم الإجمالي عند تعذر الاحتياط في الجميع، بل يمكن أن يكون بجعل شرعي.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن قيام الإجماع على أنه " ليس بناء الشريعة على العمل بالاحتمال " يقتضى حجية الظن شرعا مطلقا سواء كان المستند في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة الإجماع، أو الخروج عن الدين، أو العلم الإجمالي. وقيام الإجماع على عدم وجوب الجمع بين المحتملات في الوقايع المشتبهة يقتضى التبعيض في الاحتياط، إما عقلا إن كان المستند في عدم جواز إهمال الوقايع هو العلم الإجمالي، وإما شرعا إن كان المستند في ذلك هو الإجماع أو الخروج عن الدين. هذا كله إذا كان الوجه في بطلان الاحتياط الإجماع بكلا تقريبيه.
وإن كان الوجه فيه كونه موجبا للعسر والحرج فالنتيجة أيضا تختلف حسب اختلاف الوجوه الثلاثة - المتقدمة في المقدمة الثانية - فإنه لو كان الوجه في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة العلم الإجمالي، فالنتيجة هي التبعيض في الاحتياط مطلقا، كان الاحتياط التام في جميع الوقايع مما يخل بالنظام أو كان مما يوجب العسر والحرج، فإنه على كلا التقديرين العقل لا يلزم بالاحتياط التام، بل يستقل بقبحه إذا كان مما يخل بالنظام، فلابد من التبعيض في الاحتياط إلى حد لا يلزم منه العسر والحرج، وسيأتي الوجه في ذلك.
ولو كان الوجه في عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة هو الإجماع أو الخروج عن الدين فان كان الاحتياط التام مما يخل بالنظام، فالعقل يستقل أيضا بعدم نصب الشارع الاحتياط المخل بالنظام طريقا إلى امتثال التكاليف الواقعية، بل يقبح على الشارع الإلزام بسلوك طريق يؤدى إلى اختلال النظام النوعي والشخصي، فلابد حينئذ: إما من ايجاب التبعيض في