ولكن لم نعثر في باب النواهي على ما يكون من هذا القبيل، وإنما يكون ذلك مجرد فرض لا واقع له، فان ظاهر النواهي الواردة في الكتاب والسنة، هو أن يكون متعلق النهى نفس الطبيعة باعتبار ما يفرض لها من الأفراد الخارجية، إما على نحو العام المجموعي، وإما على نحو العام الأصولي، بل العام المجموعي أيضا مجرد فرض لا واقع له، فإرجاع القضية السالبة المحصلة إلى المعدولة المحمول خلاف ما يقتضيه ظاهر النواهي.
ولنطوي الكلام في هذا المقام ونقتصر على هذا المقدار ونحيل تفصيله إلى ما نلحقه بالكتاب من " رسالة المشكوك " إن شاء الله تعالى، فان استقصاء الكلام في ذلك وجمع أطرافه لا يمكن في المقام، بل يحتاج إلى رسالة مفردة، وقد استوفينا البحث عنه في تلك الرسالة، فانتظر.
وعلى كل حال: فقد ظهر مما ذكرنا: أن قاعدة " قبح العقاب بلا بيان " لا تختص بالشبهات الحكمية، بل تجرى في الشبهات الموضوعية أيضا، من غير فرق بينهما، سوى أنه في الشبهات الحكمية تختص القاعدة بما بعد الفحص وفي الشبهات الموضوعية لا يجب الفحص، إلا على بعض الوجوه يأتي ذكرها في خاتمة الاشتغال.
بقى الجواب عن سؤال الفرق بين الأصول اللفظية والأصول العملية، وأنه كيف صح التمسك بالأصول العملية في الشبهات الموضوعية ولم يصح التمسك بالأصول اللفظية فيها؟
ولعمري! أن الفرق بينهما في غاية الوضوح، فان الأصول اللفظية إنما تكون كاشفة عن المرادات النفس الأمرية، وعنوان العام بعد تخصيصه يكون جزء الموضوع وجزئه الآخر عنوان المخصص (1) ولا يمكن أن يتكفل الدليل