والحاصل: أن المناط عند العقل في استحقاق العقاب هو البغض الفاعلي الناشئ عن العلم بالمخالفة والمعصية، وهذا بعد ما كان العلم في باب الطاعة والمعصية موضوعا عند العقل واضح.
فالدعوى في المقام تتركب من أمرين: الأول: كون العلم تمام الموضوع في المستقلات العقلية خصوصا في باب الطاعة والمعصية، حيث إن الإرادة الواقعية لا أثر لها عند العقل، ولا يمكن أن تكون محركة لعضلات العبد إلا بالوجود العلمي والوصول. الثاني: كون المناط في استحقاق العقاب عند العقل هو القبح الفاعلي، ولا أثر للقبح الفعلي المجرد عن ذلك، ولعل الأمران اللذان يبتنى عليهما الدعوى متلازمان، كما لا يخفى على المتأمل، هذا.
ويمكن المنع عن كل من الأمرين الذين بنى الدعوى عليهما، أما الأول: فلأن العلم وإن كان له دخل في المستقلات العقلية، إلا أنه لا العلم الأعم من المصادف وغير المصادف، فان غير المصادف لا يكون علما بل هو جهل، فليس إخراج غير المصادف من باب التخصيص في موضوع حكم العقل، بل من أول الأمر غير المصادف خارج، لأنه ليس في الحقيقة علما بل جهلا مركبا، فان العلم هو الكاشف عن الواقع، وغير المصادف لا يكون كاشفا عن الواقع فليس علما، وإطلاق العلم عليه لمكان أنه في نظر العالم يكون كاشفا عنه، واعتبار العلم في المستقلات العقلية ليس من جهة دلالة دليل عليه حتى يتمسك باطلاقه، بل لمكان أن الإرادة الواقعية غير قابلة لتحريك إرادة الفاعل، بل المحرك هو انكشاف الإرادة ووصولها إلى الفاعل، وفي المقام الإرادة الواقعية لم تصل إلى الفاعل، بل هو من تخيل الإرادة، فلا عبرة بمثل هذا العلم في نظر العقل.
والحاصل: أن العقل يستقل بلزوم انبعاث العبد عن بعث المولى (1) و