أو وجوب أحدهما وحرمة الآخر وغير ذلك من الأقسام المتصورة التي يأتي ذكرها - في الجزء الرابع - فان المعلوم بالإجمال في جميع هذه الموارد يكون بعثا مولويا محركا لإرادة العبد مع ما هو عليه من الإجمال، إذ لو فرض أن التكليف من أول الأمر شرع على هذا الوجه - أي تعلق التكليف واقعا وفي نفس الأمر بأحد الشيئين لا على التعيين - لم يلزم محذور من ذلك وصح أن يكون معجزا مولويا ومحركا للإرادة في عالم التشريع نحو المتعلق، غايته أن المكلف يكون مخيرا بين أحد الشيئين، إما تخييرا شرعيا، وهو فيما إذا لم يكن بين الشيئين جامع خطابي (كما إذا دار الأمر بين وجوب أحد الشيئين وحرمة الآخر أو وجوب أحد الشيئين ووجوب شئ آخر لا يجمعهما جنس قريب) وإما تخييرا عقليا وهو فيما إذا كان بين الشيئين جامع خطابي (كما إذا دار الأمر بين وجوب إكرام هذا العالم أو ذلك العالم) فإنه يصح التكليف باكرام العالم مبهما، فيكون المكلف مخيرا عقلا في إكرام أحد الفردين أو الأفراد.
وعلى كل حال: يعتبر في تأثير العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال صالحا لتشريعه كذلك، أي على ما هو عليه من الإجمال.
فان كان المعلوم بالإجمال غير صالح لتشريعه كذلك وكان قاصرا عن أن يكون داعيا ومحرما لإرادة العبد، فالعلم الإجمالي المتعلق به لا يقتضى التأثير والتنجيز وكان وجوده كعدمه، كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين، فان التكليف المردد بين وجوب الشئ أو حرمته قاصر عن أن يكون داعيا ومحركا نحو فعل الشئ أو تركه، لأن الشخص بحسب خلقته التكوينية لا يخلو عن الفعل أو الترك، فلا يصح تشريع التكليف على هذا الوجه، لأن تشريع التكليف على هذا الوجه لا أثر له ولا يزيد على ما يكون المكلف عليه تكوينا، فإنه إما أن يفعل وإما أن لا يفعل، فهو غير قابل لتحريك عضلات العبد وغير صالح للداعوية والباعثية، فإذا كان متعلق العلم الإجمالي وجوب الفعل أو حرمته، فالعلم لا يقتضى تنجيز متعلقه وكان وجوده كعدمه.