قيدنا مجرى الاستصحاب بلحاظ الحالة السابقة ولم نكتف بمجرد وجودها، فان مجرد وجودها بلا لحاظها لا يكفي في كونها مجرى الاستصحاب، إذ هناك من ينكر اعتبار الاستصحاب كلية، أو في خصوص الأحكام الكلية، أو في خصوص الشك في المقتضى - على اختلاف الأقوال فيه - فالمنكر يدعى أن وجود الحالة السابقة كعدمها لا تكون مجرى الاستصحاب. وهذا بخلاف ما إذا لوحظت فيه الحالة السابقة، فان لحاظها انما يكون لأجل جريان الاستصحاب ويكون الشك الملحوظ فيه الحالة السابقة مجرى للاستصحاب على جميع الأقوال فيه.
ولا يخفى أن الحصر في مجاري الأصول إنما يكون عقليا لدورانه بين النفي و الإثبات. وأما حصر الأصول في الأربع فليس بعقلي، لامكان أن يكون هناك أصل آخر وراء هذه الأصول الأربعة. ولكن هذا بالنسبة إلى خصوص الاستصحاب حيث إن اعتباره شرعي.
وأما بالنسبة إلى الأصول العقلية: من البراءة والتخيير والاحتياط، فالحصر فيها عقلي، لأنه في صورة الشك: إما أن يراعى جهة التكليف وإما أن لا يراعى، وفي صورة المراعاة: إما أن يراعى من كل وجه وإما أن يراعى في الجملة، فالأول عبارة عن البراءة، والثاني الاحتياط، والثالث التخيير. ولا يعقل أن يكون هناك أصل عقلي آخر وراء هذه الأصول الثلاثة.
ثم إن الأصول العملية الجارية في الشبهات الحكمية لا تختص بهذه الأصول الأربعة، بل هناك أصول أخرى تجرى في الشبهات الحكمية - كأصالة الطهارة والحل - وإنما وقع البحث عن خصوص هذه الأصول الأربعة، لمكان أن كل شك في كل باب من أبواب الفقه لابد وأن ينتهى إلى أحدها، بخلاف الأصول الاخر فإنها تختص ببعض الأبواب، مع أن بعضها لا كلام في اعتبارها، كأصالة الطهارة.
وعلى كل حال: بعدما عرفت من أن المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي، فإما أن يحصل له القطع، أو الظن، أو الشك، فالبحث يقع في مقامات ثلاث.