أن وظيفة العبد ذلك، والانبعاث عن البعث يتوقف على وصول البعث وإحرازه، إذ لا أثر للبعث الواقعي ولا يمكن الانبعاث عنه ما لم يكن له وجود علمي، وأين هذا مما لم يكن في الواقع بعث وكان من تخيل البعث؟ فدعوى أن العلم في باب المعصية الأعم من المصادف وغير المصادف ضعيفة.
وأما الأمر الثاني الذي بنى عليه الدعوى: فلأن المناط في استحقاق العقاب عند العقل وإن كان هو القبح الفاعلي، إلا أن القبح الفاعلي المتولد من القبح الفعلي الذي يكون إحرازه موجبا للقبح الفاعلي، لا القبح الفاعلي المتولد من سوء السريرة وخبث الباطن (1) وكم بين هذا وذلك من الفرق؟
فإن المناط في أحدهما غير المناط في الآخر، حيث إن مناط أحدهما القبح الفعلي المحرز وعدم الانبعاث عن البعث الواقعي المعلوم، ومناط الآخر سوء السريرة التي أوجبت عدم الانبعاث عن تخيل البعث، ودعوى عدم الفرق بينهما في نظر العقل مما لا شاهد عليها فتحصل: أن القبح الفاعلي الناشئ عن سوء السريرة وخبث الباطن لا يستتبع استحقاق العقاب، إلا إذا تعلق به الخطاب بأحد الوجهين