وينبغي إفراد كل قسم من أفراد الواجب التخييري بالبحث، فان لكل واحد من الأقسام الثلاثة خصوصية لم تكن في الآخر، بحيث لو أمكن القول بجريان البراءة في بعضها لا يمكن القول بجريانها في البعض الآخر، كما سنوضحه (إن شاء الله تعالى).
فنقول: إذا كان الشك في التعيين والتخيير على الوجه الثاني من الوجوه المتقدمة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير - وهو ما إذا علم بتعلق التكليف بأحد الشيئين بخصوصه وشك في كون الشئ الآخر عدلا له وأحد فردي الواجب التخييري وكان الواجب التخييري الذي هو طرف الشك من الواجبات التخييرية الابتدائية في عالم الجعل والتشريع الذي كان هو القسم الأول من أقسام الواجب التخييري - فقد قيل: إنه تجرى البراءة عن التعيينية، لأن صفة التعيينية كلفة زائدة توجب الضيق على المكلف، بداهة أنه لو لم يكن الواجب تعيينيا لكان المكلف بالخيار بين الإتيان به أو بعدله، فيشملها قوله - صلى الله عليه وآله - " رفع ما لا يعلمون " وقوله - عليه السلام - " الناس في سعة ما لا يعلمون " وغير ذلك من أدلة البراءة، ويلزمه جواز الاكتفاء بفعل ما يحتمل كونه عدلا لما علم تعلق التكليف به.
وقيل: بعدم جريان البراءة، ويلزمه عدم جواز الاكتفاء بما يحتمل كونه عدلا للواجب، وهو الأقوى، فان صفة التعيينية وإن كانت كلفة زائدة توجب الضيق على المكلف، إلا أن مجرد ذلك لا يكفي في جريان البراءة، بل لابد مع ذلك من أن يكون المشكوك فيه أمرا مجعولا شرعيا تناله يد الوضع والرفع التشريعي ولو بتبع خطاب آخر، كما تقدم (1) وإلا كان اللازم جريان البراءة