المصلحة إنما تكون في تطرق الطريق وسلوك الأمارة وتطبيق العمل على مؤداها والبناء على أنه هو الواقع بترتيب الآثار المترتبة على الواقع على المؤدى، وبهذه المصلحة السلوكية يتدارك ما فات على المكلف من مصلحة الواقع بسبب قيام الأمارة على خلافه.
والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني مما لا يكاد يخفى، فان الوجه الثاني كان مبنيا على سببية الأمارة لحدوث مصلحة في المؤدى غالبة على ما فات من المكلف من مصلحة الواقع على تقدير تخلفها وإدائها إلى غير ما هو الواجب واقعا، أو غالبة على ما في المؤدى من المفسدة على تقدير إدائها إلى وجوب ما هو حرام واقعا، وأين هذا من الوجه الثالث؟ فان المؤدى على الوجه الثالث باق على ما كان عليه، ولا يحدث فيه مصلحة بسبب قيام الأمارة عليه، وإنما المصلحة كانت في سلوك الأمارة وأخذها طريقا إلى الواقع من دون أن تمس الأمارة كرامة المصلحة والحكم الواقعي بوجه من الوجوه، والسببية بهذا المعنى عين الطريقية التي توافق أصول المخطئة، بل ينبغي عد هذا الوجه من وجوه الرد على التصويب، بخلاف الوجه الثاني، فإنه من أحد وجوه التصويب.
وبالجملة: المصلحة في الوجه الثالث إنما تكون في السلوك وتطبيق العمل على مؤدى الأمارة لا في نفس المؤدى، ولا بد وأن تكون مصلحة السلوك بمقدار ما فات من المكلف بسبب قيام الأمارة على خلاف الواقع، وهذا يختلف باختلاف مقدار السلوك، فلو قامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة في يومها وعمل المكلف على طبقها ثم تبين مخالفة الأمارة للواقع وأن الواجب هو صلاة الظهر، فان كان انكشاف الخلاف قبل مضى وقت فضيلة الظهر فلا شئ للمكلف، لأن قيام الأمارة على الخلاف لم توجب ايقاعه على خلاف ما يقتضيه الواقع من المصلحة، لتمكن المكلف من استيفاء مصلحة الواقع بتمامها وكمالها حتى الفضيلة الوقتية، وإن كان انكشاف الخلاف بعد انقضاء وقت