فلو استندنا في بطلان المقدمة الثانية إلى العلم الإجمالي ومنجزيته للتكاليف المعلومة بالإجمال في الوقايع المشتبهة كان الاحتياط هو الأصل من جهة حكم العقل به إرشادا، لا من جهة جعل الشارع له طريقا - كما هو مقتضى الوجهين الأولين - ولأجل اختلاف حكم الاحتياط من حيث حكم العقل به إرشادا أو من حيث جعل الشارع له طريقا تختلف نتيجة مقدمات الانسداد من حيث الكشف والحكومة والتبعيض في الاحتياط، على ما سيأتي تفصيله.
الأمر الثاني: للاحتياط مراتب ثلاث:
المرتبة الأولى: الاحتياط التام في جميع الوقايع المشتبهة: من مظنوناتها ومشكوكاتها وموهوماتها، على وجه يقتضى إحراز جميع التكاليف الواقعية على ما هي عليها، وهذه المرتبة من الاحتياط تخل بالنظام النوعي والشخصي، لكثرة الوقايع المشتبهة وانتشارها في جميع ما يتوقف عليه النظام: من المعاش والمعاشرة والمحاورة والعقود والايقاعات وغيرها، ولا إشكال أن التجنب عن جميع ذلك يخل بالنظام.
المرتبة الثانية: الاحتياط الموجب للعسر والحرج من دون أن يستلزم اختلال النظام، بل مجرد الضيق الذي لا يناسب الملة السهلة السمحة.
المرتبة الثالثة: الاحتياط الذي لا يوجب العسر والحرج، فإذا كان الحاكم بلزوم الاحتياط في الوقايع المشتبهة هو العقل من جهة اقتضاء العلم الإجمالي، فبطلان كل مرتبة سابقة يوجب تعين المرتبة اللاحقة، لأن الضرورات عند العقل تتقدر بقدرها، فإذا بطل الاحتياط المخل بالنظام ولم يجز العمل به عند العقل تتعين المرتبة الثانية، وإذا بطلت المرتبة الثانية بأدلة نفى العسر والحرج - على ما سيأتي بيانه - تتعين المرتبة الثالثة، فإذا فرضنا أن الاحتياط في جميع الوقايع المشتبهة - من المظنونات والمشكوكات والموهومات -