الجعل التشريعي، وما لم يكن هناك جعل شرعي لا يكون حجة باصطلاح الأصولي.
ومن هنا ظهر: أن مسألة حجية القطع لا تكون من مسائل علم الأصول، فان الضابط في كون المسألة أصولية هو أن تقع نتيجتها كبرى لقياس الاستنباط - على ما بيناه في محله - ومسألة حجية القطع ليست كذلك، فظهر: أنه لا يصح إطلاق الحجة على القطع باصطلاح أهل الميزان ولا باصطلاح الأصولي. ولكن هذا في القطع الطريقي الذي لم يؤخذ شرعا في موضوع حكم.
وأما القطع الموضوعي: فيطلق عليه الحجة ويتألف منه القياس حقيقة، و يكون أشبه بالحجة باصطلاح المنطقي، فان موضوع الحكم يكون بمنزلة العلة لثبوت ذلك الحكم، حيث إن نسبة الموضوعات إلى الأحكام نسبة العلل إلى معلولاتها وان لم تكن من العلل الحقيقية الا أنه لمكان عدم تخلف الحكم عن موضوعه صار بمنزلة العلة، فالقطع الموضوعي يقع وسطا للقياس، ويقال مثلا " هذا معلوم الخمرية و كل معلوم الخمرية يجب الاجتناب عنه " إذا فرض أن وجوب الاجتناب رتب على معلوم الخمرية لا على الخمر الواقعي. وهذا من غير فرق بين أن يكون القطع تمام الموضوع أو جزئه - على ما سيأتي من الفرق بينهما - فإنه على كل تقدير يقع وسطا، غايته انه لو كان تمام الموضوع يكون تمام الوسط للقياس، ولو كان جزء الموضوع يكون جزء الوسط وجزئه الآخر هو الواقع المنكشف به، وذلك كله واضح.
المبحث الثاني في أقسام القطع اعلم: أن القطع إما أن يتعلق بموضوع خارجي، وإما أن يتعلق بحكم شرعي. فان تعلق بموضوع خارجي: إما أن يكون ذلك الموضوع ذا حكم شرعي مع قطع النظر عن تعلق القطع به، وإما أن يكون لتعلق القطع به دخل في ثبوت