أحدهما: أن يكون المشكوك فيه مما بيد الشارع أمر وضعه ورفعه ولو لم يستقل بالخطاب ولم يمكن جعله ابتداء بل كان من الكيفيات والخصوصيات اللاحقة للخطاب بحيث يكون وضعه بوضع الخطاب ورفعه برفعه، فان هذا المقدار من الوضع والرفع يكفي في جريان البراءة فيه.
ثانيهما: أن يكون في وضعه تضييق على العباد وفي رفعه منة وتوسعة، فان قوله - صلى الله عليه وآله - " رفع ما لا يعلمون " ورد مورد الامتنان، فلابد ان يكون رفع المشكوك مما يقتضى التسهيل والتوسعة، فلو فرض أن رفع المشكوك يقتضى الضيق والكلفة على العباد، فلا يمكن أن يعمه " حديث الرفع " ولو كان مما تناله يد الوضع والرفع شرعا، فمجرد كون أمر وضع المشكوك ورفعه بيد الشارع لا يكفي في جريان البراءة العقلية والشرعية فيه ما لم يستتبع وضعه العقاب والتضييق، ليكون في رفعه التوسعة ورفع العقاب.
الأمر الرابع:
الشك في التعيين والتخيير يتصور على وجوه:
فإنه تارة: في أصل التكليف التعييني أو التخييري، بمعنى أن أصل ثبوت التكليف المردد بينهما مشكوك أو المردد بين خصوص التخيير والإباحة، كما لو شك في أن الارتماس في نهار شهر رمضان هل يقتضى وجوب إحدى الخصال تخييرا أو لا يقتضى شيئا أصلا؟ كما لو فرض الشك في أن المفطر الكذائي هل يقتضى الكفارة أو لا يقتضيه؟ وعلى تقدير اقتضائه فهل يقتضى كفارة معينة أو يقتضى التخيير بين إحدى الخصال الثلاث؟
ولا ينبغي التأمل والإشكال في جريان البراءة في ذلك، فان الشك فيه يرجع إلى الشك في أصل التكليف، فما نسبه بعض إلى ظاهر صدر كلام الشيخ (قدس سره) في المقام: من أنه يعطى عدم جريان البراءة في هذا القسم من الشك، ليس في محله ولا توهمه عبارة الشيخ، خصوصا بعد ضم ذيل