وأما المجعول في باب الأصول التنزيلية فهي الجهة الثالثة من العلم، و هو الجري والبناء العملي على الواقع من دون أن يكون هناك جهة كشف و طريقية، إذ ليس للشك الذي اخذ موضوعا في الأصول جهة كشف عن الواقع كما كان في الظن - فلا يمكن أن يكون المجعول في باب الأصول الطريقية و الكاشفية، بل المجعول فيها هو الجري العملي والبناء على ثبوت الواقع عملا الذي كان ذلك في العلم قهريا وفي الأصول تعبديا.
ومما ذكرنا ظهر: أن حكومة الطرق والأمارات والأصول على الأحكام الواقعية ليست الحكومة الواقعية، مثل قوله " الطواف بالبيت صلاة " (1) وقوله " لا شك لكثير الشك " (2) بل الحكومة الظاهرية.
والفرق بين الحكومة الواقعية والحكومة الظاهرية، هو أن الحكومة الواقعية توجب التوسعة والتضيق في الموضوع الواقعي، بحيث يتحقق هناك موضوع آخر واقعي في عرض الموضوع الأولى كما في قوله " الطواف بالبيت صلاة " وهذا بخلاف الحكومة الظاهرية مع ما لها من العرض العريض: من حكومة الأمارات بعضها على بعض، وحكومتها على الأصول، وحكومة الأصول بعضها على بعض، وحكومة الجميع على الأحكام الواقعية، فإنه ليس في الحكومة الظاهرية توسعة وتضييق واقعي، إلا بناء على بعض وجوه جعل المؤدى الذي يرجع إلى التصويب. وأما بناء على المختار: من عدم جعل المؤدى و أن المجعول فيها هو الوسطية في الإثبات والكاشفية والمحرزية، فليس هناك توسعة وتضييق واقعي، وحكومتها إنما تكون باعتبار وقوعها في طريق إحراز