مع ثبوت المصلحة والمقتضى في تلك الأشياء، والمراد من السكوت هو عدم جعل الحكم، فمن المحتمل أن يكون المورد الذي أدرك العقل جهة حسنه أو قبحه كان من الموارد التي سكت الله عنها، وربما يكون حكم بلا مصلحة في المتعلق، كما في الأوامر الامتحانية والأوامر الصادرة تقية. وغير ذلك مما حكاه في " التقريرات " عن " الفصول " من الوجوه الستة التي أقامها على منع الملازمة الواقعية بين حكم العقل وحكم الشرعي والتزم بالملازمة الظاهرية، ببيان أن مجرد احتمال وجود المانع والمزاحم لما أدركه العقل لا يكون عذرا في نظر العقل، بل لابد من البناء على الملازمة إلى أن يتبين المانع والمزاحم، فلو خالف وصادف عدم المزاحم كان عاصيا، وهو المراد من الملازمة الظاهرية.
هذا حاصل ما أفاده " صاحب الفصول " في وجه منع الملازمة. ولا يخفى عليك ضعفه، فان الكلام إنما هو في المستقلات العقلية، والعقل لا يستقل بحسن شئ أو قبحه إلا بعد إدراكه لجميع ماله دخل في الحسن والقبح. و دعوى أن العقل ليس له هذا الإدراك ترجع إلى منع المستقلات العقلية ولا سبيل إلى منعها، فإنه لا شبهة في استقلال العقل بقبح الكذب الضار الموجب لهلاك النبي مع عدم رجوع نفع إلى الكاذب، ومع استقلال العقل بذلك يحكم حكما قطعيا بحرمته شرعا (1) لأن المفروض تبعية الأحكام الشرعية