الأمر الثالث:
قيل: إن وحدة السياق تقتضي أن يكون المراد من " الموصول " في " ما لا يعلمون " الموضوع المشتبه، لأن المراد من " الموصول " فيما استكرهوا وما اضطروا وما لا يطيقون، هو الفعل الذي استكرهوا عليه أو اضطروا إليه أو لا يطيقونه، فان هذه العناوين لا تعرض الأحكام الشرعية، بل إنما تعرض الأفعال الخارجية، ومقتضى وحدة السياق أن يكون المراد من " الموصول " في " ما لا يعلمون " أيضا الفعل الذي اشتبه عنوانه، كالشرب الذي اشتبه كونه شرب التتن أو شرب الخمر، فيختص الحديث المبارك بالشبهات الموضوعية ولا يعم الشبهات الحكمية، مضافا إلى أنه لا جامع بين الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية بحيث يمكن أن يراد من " الموصول " معنى يعمها، فان المرفوع في الشبهات الحكمية إنما هو نفس متعلق الجهل وما لا يعلمون، وهو الحكم الشرعي (1) فاسناد الرفع إلى " الموصول " يكون من قبيل الإسناد إلى ما هو له، لأن " الموصول " الذي تعلق الجهل به بنفسه قابل للوضع والرفع الشرعي. وأما الشبهات الموضوعية: فالذي تعلق الجهل به فيها أولا وبالذات إنما هو الموضوع الخارجي وبالتبع يتعلق بالحكم الشرعي، والموضوع الخارجي بنفسه غير قابل للوضع والرفع الشرعي، بل إسناد الرفع إليه يكون من قبيل الإسناد إلى غير ما هو له، فمع قطع النظر عن وحدة السياق كان الأولى اختصاص الحديث