فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ٥٥
وأما في دعواه الثانية: من أن العلم بحرمة ما يكون واجبا مغير لجهة قبح التجري. ففيها أنه لو سلمنا اختلاف قبح التجري بالوجوه والاعتبار، و لكن الجهات المغيرة للحسن والقبح لابد وأن تكون ملتفتا إليها، لما تقدم من أن العلم في باب الحسن والقبح العقلي له جهة موضوعية، ولا يمكن أن يكون الشئ قبيحا عقلا بلا أن يكون الموجب للقبح ملتفتا إليه (1) فالكذب الذي يتوقف عليه إنجاء البنى قبيح إذا لم يلتفت إلى التوقف، والصدق الموجب لهلاك البنى حسن إذا لم يلتفت إلى ذلك، وباب الحسن والقبح غير باب المصلحة والمفسدة التي لا دخل للعلم بها، فمجرد كون الفعل المتجرى به ذا مصلحة واقعا لا يوجب تغيير قبح التجري بعد ما لم تكن المصلحة معلومة ولم يكن المكلف ملتفتا إلى وجوبه، ففي مثل هذا قبح التجري يكون على حاله، كما هو واضح.
وأما ما في دعواه الثالثة: من أن التجري لو صادف المعصية يتداخل عقابه، ففيها أن التجري لا يعقل أن يجتمع مع المعصية حتى يتداخل العقاب، بل التجري في طرف النقيض للمعصية، إذ قوام التجري هو عدم المصادفة و مخالفة الواقع (2) كما أن قوام المعصية هو المصادفة للواقع، فكيف يجتمع التجري

(1) أقول: ما أفيد صحيح بالنسبة إلى العامل. وأما بالنسبة إلى سائر الأنظار الملتفتين إلى الجهتين، فلا قصور في اختلاف الجهات المحسنة والمقبحة من هذه الجهة. نعم: الأولى الاقتصار إلى الجهة الأولى، فتدبر.
(2) أقول: الذي به قوام التجري صدق إبراز الجرئة على المولى مع عدم صدق العصيان عليه، وهذا المعنى ربما يتحقق ولو بايجاد مقدمة من المقدمات حتى عزمه على العصيان، ومن المعلوم: أن هذه المقدمات غير نفس العصيان سواء صادف معه أم لا، وليس من مقوماته عدم مصادفة هذه المقدمات مع العصيان. وحينئذ لا قصور في اجتماع التجري مع العصيان في جميع موارد العصيان. نعم: قد يتحقق بلا عصيان، فتكون دائرة التجري أوسع من العصيان لا مبائنا معه موردا. نعم: يباينه في الوجود، فإن العصيان بنفسه غير التجري، فهو لا يجتمع معه حتى موردا، كما لا يخفى.
وحينئذ الذي يرد عليه: هو أن موضوع القبح لو كان هذا العنوان المقابل للعصيان لا موجب لتداخل عقابها. نعم: لو كان صادقا حتى على نفس العصيان فعقابهما يتأكد لا أنه يتداخل، ولكنه أيضا كما ترى!.
نعم: بناء على التحقيق - كما أشرنا إليه - من أن موضوع القبح مطلق الطغيان الجامع بينهما، لا بأس بالالتزام بأن الطغيان شخص واحد لا يكون إلا عقابا واحدا، فإن أراد من التداخل هذا فلا بأس به، فتدبر.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست