فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ٣٤٩
التشريع عبارة من رفع حكمه لا بتقدير في الكلام، بل معنى رفع الموضوع شرعا هو ذلك (1) فمفاد قوله - صلى الله عليه وآله - " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " - بحسب ما يقتضيه ظاهر اللفظ أولا - هو رفع نفس الخطأ والنسيان وتنزيل الصفتين منزلة العدم، فكأنه لم يقع الخطأ والنسيان خارجا، ومعنى عدم وقوع الخطأ والنسيان، هو أن الفعل الصادر على أحد الوجهين كأن لم يصدر على هذا الوجه.
وهذا المعنى بظاهره فاسد، فإنه يلزم على هذا ترتيب آثار العمد على الفعل الصادر عن خطأ أو نسيان، وذلك ينافي الامتنان والتوسعة، فلابد وأن يكون المراد من رفع الخطأ والنسيان رفع الفعل الصادر عن ذلك، يعنى جعل الفعل كالعدم وكأنه لم يصدر عن الشخص ولم يقع، لا أن الفعل وقع وحيثية صدوره عن خطأ أو نسيان لم يكن، ليلزم ترتيب آثار الصدور عن عمد عليه حتى ينافي الامتنان، بل لابد من أن يكون مفاد رفع الخطأ والنسيان رفع أصل الفعل الواقع عن نسيان أو خطأ، فتوافق مفاد رفع الخطأ والنسيان مع مفاد رفع ما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه وما لا يطيقونه، فان المرفوع في هذه الأمور الثلاثة هو الفعل الذي وقع عن إكراه أو عن اضطرار إليه أو ما لا طاقة عليه، لا رفع صفة الإكراه والاضطرار. ومقتضى وحدة السياق والمفاد هو أن يكون المرفوع في الخطأ والنسيان ذلك، وقد عرفت: أن رفع الفعل تشريعا إنما يكون

(1) أقول: رفع ذات الموضوع لا بوصف موضوعيته إذا كان مرجعه إلى خلو صفحة التشريع عنه، فمرجعه إلى خلو صفحة التشريع عن هذا الذات، ومآله إلى خلو خطاباته عن هذه الأفعال واختصاصها بغيرها، وهذا عين رفع نفسها تكوينا في طي أحكامه وخطاباته لا مطلقا، وهذا عين المعنى الثالث الذي أشرنا إليه في الحاشية السابقة وقابل للإخبارية أيضا. ولكن الأولى منه الالتزام بالمعنى الثاني: من جعل الرفع في المذكورات تنزيليا بلحاظ رفع آثاره. ويمكن حمل كلامه من الرفع التشريعي على ذلك، تبديل المقرر البيان المعروف من الرفع الادعائي إلى الرفع في عالم التشريع ليس إلا إخفاء الأمر على الأذهان، وهو نوع من تبعيد المسافة.
(٣٤٩)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (1)، النسيان (10)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست