فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ٢٣
الظاهرية، فيقال: إن في قيام الظن مقام العلم المأخوذ موضوعا يحتاج إلى تنزيلين: تنزيل المظنون منزلة المقطوع، وتنزيل الظن منزلة القطع، وأنت بعد ما عرفت حقيقة المجعول في باب الأمارات والأصول ظهر لك: انه ليس في البين تنزيل أصلا، بل الشارع إنما أعطى صفة المحرزية للظن، فيرتفع الإشكال من أصله.
فان قلت: هب ان المجعول في باب الأمارات والأصول ذلك، إلا أن الذي اخذ جزء الموضوع في ظاهر الدليل هو العلم والإحراز الوجداني، وبأي دليل تقولون: إن الإحراز التعبدي يقوم مقام الإحراز الوجداني؟
قلت: يمكن التفصي عن هذه بوجوه:
الأول: دعوى أن المراد من العلم الذي اخذ في ظاهر الدليل موضوعا هو العنوان الكلى - أي عنوان المحرز - بلا أخذ الإحراز الوجداني قيدا له (1) غايته أنه لولا جعل الشارع الطرق والأصول محرزة كان مصداق عنوان المحرز منحصرا بالمحرز الوجداني، وبعد ذلك الجعل الشرعي يتحقق مصداق آخر

(1) أقول: بعد ما كان المراد من الإحراز الوجداني بل كل أمر وجداني ما كان العقل بوجدانه يطبق عنوانه على الموجود، سواء كان الشئ الموجود ذاتيا له أو عرضيا - كالبياض المجعول للجسم بسبب في قبال ما فيه البياض باقتضاء ذاته كالثلج مثلا فإنه لا يكون مجعولا للثلج بل بعين جعل الثلج يتحقق البياض - فما لا يكون بهذه المثابة قد تقدم أنه لا يطبق العقل عنوانه عليه إلا بنحو من الإدعاء والعناية، وحينئذ ففي قبال الإحراز الوجداني لا يتصور إلا الإحراز بالعناية والادعاء، ولا يتصور في البين ثالث، لما عرفت من دوران الأمر فيه بين النفي والإثبات. وحينئذ نقول: إن مرجع الإحراز بالعناية إلى تنزيل عدم الإحراز منزلة الإحراز، كجميع العناوين الادعائية، وقوام هذا الإدعاء إنما هو بكون الشئ خارجا عن حقيقة المنزل عليه بتمامه، ومعه كيف بتصور اشتراكهما في الجامع الحقيقي بواسطة الإدعاء والتنزيل كي يصير البحث في المقام لفظيا؟
نعم: لو أريد من الإحراز التشريعي الإحراز الحقيقي بنحو يطبق العقل العنوان عليه بعد الجعل بنحو الحقيقة - بحيث كان هذا الإحراز مثل البياض المجعول للجسم أمرا وجدانيا - ففي هذه الصورة صح دعوى الجامع بين الإحراز الذاتي والعرضي بعد اشتراكهما في صدق الإحراز الوجداني، ولكن أنى لك بذلك! ثم أنى لك! إذ لا أظن توهمه من ذي مسكة.
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست