وأما في الثاني: فلأن للعقل في باب الضرر الدنيوي حكم واحد، و هو قبح الإقدام على ما لا يؤمن معه من الوقوع في الضرر، نظير حكمه بقبح التشريع، وليس حكم العقل بقبح الإقدام على مظنون الضرر أو مشكوكه طريقيا نظير حكمه بقبح ما لا يؤمن معه من الوقوع في التصرف في مال الغير، فان محل الكلام إنما هو الضرر الدنيوي، إذ الضرر الأخروي ليس هو إلا العقاب وحكم العقل في لزوم دفعه يكون إرشاديا محضا لا يستتبع حكما مولويا، كحكمه بقبح المعصية. وأما الضرر الدنيوي فالعقل وإن استقل بلزوم دفع بعض مراتبه، إلا أن حكم العقل في باب الضرر يكون في صورة العلم و الظن بل الاحتمال العقلائي بمناط واحد، وهو قبح الإقدام على ما لا يؤمن منه من الضرر، وعلى هذا يخرج من موضوع التجري وليس فيه انكشاف الخلاف فتحصل: أنه لم يتم إجماع على حرمة التجري بالقسم المبحوث عنه في المقام ولا دل عليه دليل.
نعم: يمكن القول بحرمة القسم الآخر من التجري (1) وهو ما إذا قصد المعصية وتلبس بمقدماتها ومنعه عن وقوع المعصية مانع. وعلى ذلك تحمل