اعتمادهم عليها من باب الاحتياط ورجاء إدراك الواقع، لأنه ربما يكون طرف الاحتمال تلف النفوس والأموال وهتك الأعراض، فلو كان اعتمادهم على الطرق لمحض رجاء إدراك الواقع لكان الاحتياط بعدم الاعتماد عليها في مثل هذه الموارد مما يكون خطر المخالفة عظيما، فاقدامهم على العمل بالطرق والأمارات والاعتماد عليها مع هذا الاحتمال ليس إلا لمكان تنزيل احتمال المخالفة منزلة العدم وكأنه لم يكن مع وجوده تكوينا.
فلا يقال: لعل اعتمادهم عليها لمكان حصول العلم لهم منها، فان ذلك مما يكذبه الوجدان، لوضوح وجود احتمال مخالفة الطريق للواقع في أنفسهم ومع ذلك يعتمدون عليها في إثبات مقاصدهم، لمكان أن الطرق عندهم من حيث الإتقان والاستحكام كالأسباب المفيدة للعلم، وليس عند العقلاء جعل وتعبد وتشريع، حتى يقال: إن المجعول عندهم ما يكون منشأ لانتزاع هذا الاعتبار والحجية، بل نفس الحجية والوسطية في الإثبات أمر عقلائي قابل بنفسه للاعتبار من دون أن يكون هناك ما يكون منشأ للانتزاع