من حكم تكليفي.
فالأقوى: أن الحجية والوسطية في الإثبات بنفسها مما تنالها يد الجعل بتتميم كشفها، فإنه لابد في الأمارة من أن يكون لها جهة كشف عن الواقع كشفا ناقصا، فللشارع تتميم كشفها ولو إمضاء بالقاء احتمال الخلاف في عالم التشريع، كما ألقى احتمال الخلاف في العلم في عالم التكوين، فكأن الشارع أوجد في عالم التشريع فردا من العلم، وجعل الطريق محرزا للواقع كالعلم بتتميم نقض كشفه وإحرازه، ولذا قامت الطرق والأمارات مقام العلم المأخوذ في الموضوع على وجه الطريقية، كما تقدم تفصيله.
وإذ قد عرفت حقيقة المجعول في باب الطرق والأمارات وأن المجعول فيها نفس الوسطية في الإثبات، ظهر لك: أنه ليس في باب الطرق والأمارات حكم حتى ينافي الواقعي ليقع في إشكال التضاد أو التصويب، بل ليس حال الأمارة المخالفة إلا كحال العلم المخالف، فلا يكون في البين إلا الحكم الواقعي فقط مطلقا أصاب الطريق الواقع أو أخطأ، فإنه عند الإصابة يكون المؤدى هو الحكم الواقعي كالعلم الموافق ويوجب تنجيز الواقع وصحة المؤاخذة عليه، وعند الخطأ وعدم الإصابة يوجب المعذورية وعدم صحة المؤاخذة عليه كالعلم المخالف من دون أن يكون هناك حكم آخر مجعول. هذا بناء على ما هو المختار من تأصل الحجية والطريقية في الجعل.
وأما بناء على مسلك الشيخ (قدس سره) من أن المجعول هو منشأ الانتزاع، فيتوجه حينئذ إشكال التضاد ولابد من دفعه، وينبغي أولا تصوير ما يصح أن يكون منشأ لانتزاع الحجية.
والإنصاف: أن تصويره في غاية الإشكال، لأن منشأ انتزاع الحجية لا بد وأن يكون أمرا لا دخل له بإطاعة المكلف وعصيانه، إذ الحجية محفوظة في كلا الحالين ولا دخل لعمل المكلف في ذلك، فان المكلف عمل أو لم يعمل يكون الخبر الواحد حجة، فلابد وأن يكون منشأ انتزاع الحجية حكما تكليفيا