فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ١١٨
المصادفة وعدم وجوب الاحتياط في مورد المخالفة، فأين التضاد؟
هذا كله إذا كانت مصلحة الواقع تقتضي جعل المتمم: من ايجاب الاحتياط. وإن لم تكن المصلحة الواقعية تقتضي ذلك ولم تكن بتلك المثابة من الأهمية بحيث يلزم للشارع رعايتها كيفما اتفق، فللشارع جعل المؤمن، كان بلسان الرفع، كقوله صلى الله عليه وآله - " رفع ما لا يعلمون "، أو بلسان الوضع كقوله - صلى الله عليه وآله - " كل شئ لك حلال " فان المراد من الرفع في قوله - صلى الله عليه وآله - " رفع ما لا يعلمون " ليس رفع التكليف عن موطنه حتى يلزم التناقض، بل رفع التكليف عما يستتبعه من التبعات وايجاب الاحتياط، فالرخصة المستفادة من قوله - صلى الله عليه وآله -:
" رفع ما لا يعلمون " نظير الرخصة المستفادة من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فكما أن الرخصة التي تستفاد من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لا تنافى الحكم الواقعي ولا تضاده، كذلك الرخصة التي تستفاد من قوله - عليه السلام - " رفع ما لا يعلمون " والسر في ذلك: هو أن هذه الرخصة تكون في طول الحكم الواقعي ومتأخر رتبتها عنه (1) لأن الموضوع فيها هو الشك

(1) أقول: يا للعجب! قد تقدم منه أن مجرد طولية الحكم الظاهري للواقع غير مجد في رفع التضاد، لأن الحكم الواقعي بنتيجة الإطلاق يشمل مرتبة الحكم الظاهري، فكيف في المقام التزم بكفاية الطولية في رفع التضاد. وكيف كان: الذي يقتضيه التحقيق في المقام أن يقال: إن طولية الحكمين على نحوين:
أحدهما: طولية الحكمين في ذات واحدة محفوظة في مرتبة نفسه، كما هو الشأن في عنوان الخمر ومشكوك الخمرية.
وثانيهما: طولية الحكمين الثابتين للذاتين في رتبتين - كما هو الشأن في فرض الجهل بالحكم من الجهات التعليلية لطرو الحكم الظاهري على الذات - فإنه حينئذ يرى الذات في رتبتين، بخلاف ما كان الجهل من الجهات التقييدية لأن الذات في هذه الصورة لا يرى إلا في رتبة واحدة موضوعا لحكمين طوليين، وحينئذ الذي يثمر لرفع التضاد هو الطولية بالمعنى الثاني دون الأول، والسر فيه: أن الذات في الصورة لما كان واحدا لا يتحمل لحكمين ولو طوليين متماثلين أو متضادين.
وأما في فرض أخذ الذات في رتبتين فلا يرى حينئذ إلا ذاتين، وحيث إن معروض الحكم في كلية المقامات هو نفس العنوان لا المعنون، فوحدة المعنون لا يضر بتعدد الحكم لكل منهما بعنوان غير الآخر. ولقد أبسطنا الكلام في مسألة التجري، وبهذا البيان أيضا رفعنا هناك التضاد بين قبح التجري وحسن الواقع، كما عرفت، فتدبر في المقام فإنه من مزال الأقدام.
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست