المعنى: ثم أمر سبحانه بترك مجالستهم عند استهزائهم بالقرآن، فقال: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي: إذا رأيت هؤلاء الكفار.
وقيل: الخطاب له، والمراد غيره، ومعنى (يخوضون): يكذبون بآياتنا وديننا، عن الحسن، وسعيد بن جبير. والخوض: التخليط في المفاوضة على سبيل العبث، واللعب، وترك التفهم والتبيين (فأعرض عنهم) أي: فاتركهم، ولا تجالسهم (حتى يخوضوا في حديث غيره) أي: يدخلوا في حديث غير الاستهزاء بالقرآن، وإنما أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالإعراض عنهم، لأن من حاج من هذه حاله، فقد وضع الشئ غير موضعه، وحط من قدر البيان والحجاج.
(وإما ينسينك الشيطان) المعنى: وإن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم. ويسأل على هذا، فيقال: كيف أضاف النسيان إلى الشيطان، وهو فعل الله تعالى؟ والجواب: إنما أضافه إلى الشيطان، لأنه تعالى أجرى العادة بفعل النسيان عند الإعراض عن الفكر، وتراكم الخواطر الردية، والوساوس الفاسدة، من الشيطان، فجاز إضافة النسيان إليه، لما حصل عند فعله، كما أن من ألقى غيره في البرد حتى مات، فإنه يضاف الموت إليه، لأنه عرضه لذلك، وكان كالسبب فيه.
(فلا تقعد بعد الذكرى) أي: بعد ذكرك نهينا، وما يجب عليك من الإعراض، عن الجبائي. وقيل: معناه بعد أن تذكرهم بدعائك إياهم إلى الدين، عن أبي مسلم. فكأنه قال: أعرض في حال اليأس، وذكر في حال الطمع.
(مع القوم الظالمين) يعني: في مجالس الكفار والفساق الذين يظهرون التكذيب بالقرآن والآيات، والاستهزاء بذلك، وبه قال سعيد بن جبير، والسدي، واختاره البلخي، وقال. كان ذلك في أول الاسلام، وكان يختص النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورخص للمؤمنين في ذلك لما عز الاسلام، وكثر المسلمون، نهوا عن مجالستهم، ونسخت هذه الآية بقوله: (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم).
قال الجبائي: وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول الإمامية في جواز التقية على الأنبياء والأئمة، وأن النسيان لا يجوز على الأنبياء، وهذا القول غير صحيح ولا مستقيم، لأن الإمامية إنما تجوز التقية على الإمام، فيما تكون عليه دلالة قاطعة