(يقصون) أي: يتلون ويقرأون (عليكم آياتي) أي: حججي، ودلائلي، وبيناتي. (وينذرونكم) أي: يخوفونكم (لقاء يومكم هذا) أي: لقاء ما تستحقونه من العقاب في هذا اليوم، وحصولكم فيه، يعني يوم القيامة (قالوا شهدنا على أنفسنا) بالكفر والعصيان في حال التكليف، ولزوم الحجة، وانقطاع المعذرة، واعترافنا بذلك.
(وغرتهم الحياة الدنيا) أي: تزينت لهم بظاهرها، حتى اغتروا بها (وشهدوا على أنفسهم) في الآخرة (أنهم كانوا كافرين) في الدنيا: أي: أقروا بذلك وشهدوا باستحقاقهم العقاب (ذلك) حكم الله تعالى (أن لم يكن ربك) أي: لأنه لم يكن ربك (مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) وهذا يجري مجرى التعليل أي: لأجل أنه لم يكن الله تعالى، ليهلك أهل القرى بظلم يكون منهم، حتى يبعث إليهم رسلا، ينبهونهم على حجج الله تعالى، ويزجرونهم، ويذكرونهم، ولا يؤاخذهم بغتة، وهذا إنما يكون منه تعالى على وجه الاستظهار في الحجة، دون أن يكون ذلك واجبا، لأن ما فعلوه من الظلم، قد استحقوا به العقاب.
وقيل: معناه أنه تعالى لا يهلكهم بظلم منه على غفلة منهم من غير تنبيه، وتذكير، عن الفراء، والجبائي. ومثله قوله (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون).
وفي هذا دلالة واضحة على أنه تعالى منزه عن الظلم، ولو كان الظلم من خلقه، لما صح تنزهه تعالى عنه (ولكل) أي: ولكل عامل طاعة، أو معصية (درجات مما عملوا) أي: مراتب في عمله على حسب ما يستحقه فيجازى عليه، إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، وإنما سميت درجات لتفاضلها، كتفاضل الدرج في الارتفاع والانحطاط، وإنما يعبر عن تفاضل أهل الجنة بالدرج، وعن تفاضل أهل النار بالدرك، إلا أنه لما جمع بينهم عبر عن تفاضلهم بالدرج تغليبا لصفة أهل الجنة.
(وما ربك) يا محمد، أو أيها السامع (بغافل) أي: ساه (عما يعملون) أي: لا يشذ شئ من ذلك عن عمله فيجازيهم على حسب ما يستحقونه من الجزاء، وفي هذا تنبيه وتذكير للخلق في كل أمورهم.